لماذا ندمن بعض المنتجات دون غيرها؟

تخيل أنك تستيقظ في الصباح، تمتد يدك تلقائيًا إلى هاتفك، وبلا وعي تجد نفسك تتصفح إنستغرام، تقرأ إشعارات واتساب، وربما تمر سريعًا على تويتر. لم تكن تنوي قضاء هذا الوقت، لكنه حدث… تلقائيًا. هذا ليس صدفة، بل نتيجة تصميم مدروس.

يتحدث نير إيال في كتابه “مدمن”  عن هذه الظاهرة، موضحًا أن بعض المنتجات لا تكتفي بجذب انتباهنا فقط، بل تصبح جزءًا من حياتنا اليومية. نحن لا نستخدمها لمرة واحدة وننساها، بل نعود إليها مرارًا وتكرارًا، حتى تصبح عادة راسخة، بل وأحيانًا إدمانًا إيجابيًا.

في الماضي، عندما كان الناس يدخنون، لم يكن السبب في ذلك مجرد النيكوتين، بل الطقوس المصاحبة له: إشعال السيجارة، استنشاق الدخان، والشعور بالراحة. اليوم، نحن لا نمسك بسيجارة، لكننا نمسك بهواتفنا ونسحب الشاشة لأسفل بحثًا عن تحديث جديد، أو نفتح تطبيقًا مرة تلو الأخرى دون تفكير. التكنولوجيا الحديثة صنعت سجائرها الرقمية، لكنها تفعل ذلك بطرق أكثر دهاءً.

الإدمان ليس سيئًا دائمًا

قبل أن نضع كل اللوم على التكنولوجيا، يجب أن نفهم أن الإدمان ليس دائمًا سلبيًا. هناك منتجات تجعلنا مدمنين بطريقة إيجابية:

  • تطبيقات اللياقة مثل “Nike Run Club” التي تدفعنا لممارسة الرياضة.
  • تطبيقات التعلم مثل “Duolingo” التي تجعلنا نرغب في تعلم لغة جديدة.
  • منصات المعرفة مثل “كورسيرا” و”TED” التي تحفز عقولنا باستمرار.

لكن السؤال الأهم: كيف تجعلنا هذه المنتجات نعود إليها باستمرار؟ ما السر وراء تصميمها؟ هنا يدخل “نموذج الخطاف”  الذي يتحدث عنه نير إيال، وهو المفتاح لفهم كيف تتحول المنتجات إلى عادات راسخة.

هذا النموذج هو الأساس الذي تعتمد عليه شركات كبرى مثل فيسبوك، إنستغرام، تيك توك، وواتساب لجعلنا نعود إليها مرارًا وتكرارًا دون أن نشعر. إنه السر وراء إدماننا الرقمي اليومي.

نموذج الخطاف: كيف تعمل العادة؟

هل سبق لك أن فتحت هاتفك دون سبب واضح، ثم وجدت نفسك تتصفح إنستغرام أو تويتر دون أن تتذكر حتى لماذا فتحت التطبيق في المقام الأول؟ هذا ليس مجرد تصرف عشوائي، بل هو نتاج تصميم متقن يعتمد على “نموذج الخطاف”، الذي يشرحه نير إيال في كتابه.

في عالم التطبيقات والمنتجات الرقمية، الشركات الناجحة لا تبيع منتجات فقط، بل تزرع عادات. فهي لا تريدك أن تستخدم تطبيقاتها فقط، بل تريدك أن تعود إليها مرارًا وتكرارًا، حتى يصبح استخدامها تلقائيًا، مثل شرب القهوة صباحًا أو ارتداء الحذاء قبل الخروج.

ما هو نموذج الخطاف؟

يقدم إيال نموذجًا يتكون من أربع مراحل متتالية، تعمل معًا لجعل المنتج جزءًا من حياة المستخدم:

  1. المحفز : هو الشرارة الأولى التي تدفع المستخدم للقيام بتصرف معين.
  2. الفعل: هو السلوك الذي يقوم به المستخدم فور استجابته للمحفز.
  3. المكافأة المتغيرة: هي العنصر الذي يبقي المستخدم متحمسًا للعودة.
  4. الاستثمار : هو ما يضعه المستخدم من وقت أو جهد أو بيانات لتعزيز ارتباطه بالمنتج.

لماذا نموذج الخطاف مهم؟

الشركات التي تطبق نموذج الخطاف لا تحتاج إلى إنفاق الملايين على الإعلانات لجذب المستخدمين كل مرة، لأن منتجاتها تصبح عادة. تخيل الفرق بين منتج تحتاج الشركة إلى إقناعك باستخدامه في كل مرة، ومنتج تذهب إليه تلقائيًا دون تفكير!

على سبيل المثال، عندما تشعر بالملل، يذهب البعض تلقائيًا إلى إنستغرام أو تيك توك، ليس لأن هناك إعلانًا دفعهم لذلك، ولكن لأن العادة قد ترسخت في عقولهم. ومن هنا، يدرك إيال أن “المنتجات التي تبني العادات تفوز في السوق”، لأن المستخدمين يصبحون مرتبطين بها دون وعي.

كيف يتحكم نموذج الخطاف في حياتنا؟

إذا نظرت إلى التطبيقات التي تستخدمها يوميًا، ستجد أنها جميعًا مبنية على هذا النموذج. لنأخذ واتساب مثالًا:

  • المحفز: إشعار برسالة جديدة أو شعورك بالوحدة أو الرغبة في التواصل.
  • الفعل: فتح التطبيق لقراءة الرسالة.
  • المكافأة المتغيرة: قد تكون الرسالة مثيرة أو عادية، لكنك لا تعرف مسبقًا، وهذا ما يجعلك تعود دائمًا.
  • الاستثمار: إرسال رد أو مشاركة صورة، مما يجعلك أكثر ارتباطًا بالتطبيق.

كلما مررت بهذه الدورة، أصبحت عادة أقوى.

المرحلة الأولى: المحفز

المحفزات هي الشرارة الأولى التي تبدأ بها العادة، وهي التي تضمن أن المستخدم يعود مرة بعد مرة.

يشرح نير إيال أن المحفزات تأتي في نوعين رئيسيين: خارجية وداخلية، وكلاهما يلعب دورًا كبيرًا في بناء عاداتنا الرقمية.

1. المحفزات الخارجية: عندما يأتي الدافع من الخارج

المحفزات الخارجية هي تلك التي تأتي من مصدر خارجي يدفعك للتفاعل مع المنتج. قد تكون على شكل:

  • إشعارات الهاتف: مثل تنبيه من إنستغرام بأن “صديقك نشر صورة جديدة”.
  • رسائل البريد الإلكتروني: كرسالة من يوتيوب تخبرك أن “القناة التي تتابعها نشرت فيديو جديدًا”.
  • الإعلانات: مثل إعلان على فيسبوك يخبرك عن تطبيق جديد يجعلك أكثر إنتاجية.
  • الأزرار والروابط: كزر “دعوة صديق” في واتساب أو “اشترك الآن” في منصات المحتوى.

تستخدم الشركات هذه المحفزات بذكاء لإعادة المستخدم إلى تطبيقاتها.

على سبيل المثال، عندما تضع فيسبوك علامة حمراء على أيقونة الإشعارات، فإنها تثير فضولك لمعرفة ماذا يحدث، مما يجعلك تفتح التطبيق فورًا.

لكن هناك مشكلة في المحفزات الخارجية، وهي أنها مؤقتة. بمجرد أن يتوقف التطبيق عن إرسال الإشعارات، قد ينسى المستخدم العودة إليه. ولهذا السبب، تعتمد الشركات على النوع الثاني من المحفزات، وهو الأخطر والأكثر تأثيرًا.

2. المحفزات الداخلية: عندما يصبح السلوك تلقائيًا

المحفزات الداخلية هي تلك التي تنشأ من داخل المستخدم نفسه، وتدفعه لاستخدام المنتج دون الحاجة إلى تذكير خارجي. هنا يكمن سر الإدمان!

هذه المحفزات تكون مرتبطة بالمشاعر والتجارب الشخصية، مثل:

  • الملل → تفتح إنستغرام أو تيك توك بلا وعي.
  • الشعور بالوحدة → تدخل واتساب لترى من أرسل لك رسالة.
  • الخوف من تفويت شيء مهم → تتحقق من تويتر باستمرار لمتابعة الأخبار.
  • الرغبة في التقدير → تنشر صورة جديدة على فيسبوك وتنتظر الإعجابات والتعليقات.

كلما استخدمت التطبيق استجابة لمحفز داخلي، كلما ترسخت العادة أكثر. مع الوقت، لن تحتاج إلى إشعار من واتساب لتفتحه، بل ستشعر بالرغبة في فتحه تلقائيًا لمجرد أنك معتاد على ذلك!

كيف تستخدم الشركات المحفزات لشدّ انتباهك؟

تقوم الشركات الذكية بدمج المحفزات الخارجية مع الداخلية لجعل المستخدم يعود إلى التطبيق بشكل متكرر. إليك أمثلة من أشهر المنصات:

فيسبوك: في البداية، يرسل لك إشعارات حول منشورات الأصدقاء (محفز خارجي). مع الوقت، يصبح لديك دافع داخلي للتحقق من فيسبوك عندما تشعر بالملل أو الفضول.

تويتر: في البداية، تحصل على إشعارات حول التغريدات الجديدة (محفز خارجي). لاحقًا، كلما شعرت بالحاجة لمتابعة الأخبار أو التعبير عن رأيك، تفتح تويتر دون تفكير (محفز داخلي).

إنستغرام: يبدأ بإشعارات حول الإعجابات والتعليقات على صورك (محفز خارجي). بمرور الوقت، تصبح عادة لديك أن تفتح التطبيق كلما أردت رؤية ما يفعله أصدقاؤك (محفز داخلي).

خلاصة القول: كيف تبدأ العادة؟

المحفز هو الشرارة الأولى التي تدفعك إلى استخدام التطبيق، سواء كان إشعارًا على هاتفك أو شعورًا داخليًا يدفعك إلى التفاعل. الشركات الناجحة تعرف كيف تربط منتجاتها بمشاعرك الداخلية، بحيث لا تعود بحاجة إلى إشعارات مستمرة، بل يصبح التفاعل مع المنتج أمرًا تلقائيًا في حياتك اليومية.

المرحلة الثانية: الفعل

بعد أن يبدأ المستخدم رحلة العادة بسبب المحفز، تأتي المرحلة الثانية: الفعل. هنا يتحول الدافع إلى سلوك حقيقي—فتح التطبيق، الضغط على زر، التمرير لأسفل، أو حتى مجرد النظر إلى الشاشة.

لكن السؤال هو: لماذا نقوم ببعض الأفعال دون تفكير، بينما نجد صعوبة في القيام بأفعال أخرى؟
الإجابة تكمن في التصميم الذكي للمنتجات، الذي يجعل اتخاذ القرار سهلاً وسريعًا، بل ويبدو وكأنه الخيار الطبيعي الوحيد.

كيف تجعل المنتجات المستخدمين يتخذون إجراءً بأقل جهد؟

وفقًا لنير إيال، كلما كان الفعل أسهل، زادت احتمالية قيام المستخدم به. فالعقل البشري كسول بطبيعته، وإذا كان هناك أي تعقيد أو مقاومة، فغالبًا لن يقوم المستخدم بالفعل.

خذ مثال إنستغرام: لماذا أصبح الجميع ينشر الصور بسهولة، بينما كان الأمر أكثر تعقيدًا في الماضي؟ السر هو:
✔️ فلتر جاهز يجعل الصور تبدو أفضل دون الحاجة لتحريرها يدويًا.
✔️ زر “مشاركة” واضح بدون خطوات معقدة.
✔️ إمكانية النشر بضغطة واحدة دون الحاجة لإدخال تفاصيل كثيرة.

النتيجة؟ أصبحت مشاركة الصور عادة يومية لملايين المستخدمين!

دور قانون فوغ السلوكي في تبسيط التفاعل

عالم النفس BJ Fogg وضع معادلة بسيطة لشرح متى يقوم الشخص بأي فعل:

السلوك = الحافز × القدرة × الإشارة
بمعنى أنه لكي يقوم المستخدم بفعل معين، يجب أن تتوفر ثلاثة عناصر في نفس اللحظة:

1️⃣ الحافز: هل لدى المستخدم رغبة كافية للقيام بالفعل؟
2️⃣ القدرة: هل الفعل سهل بما يكفي للقيام به دون جهد؟
3️⃣ الإشارة: هل هناك محفز واضح يدفع المستخدم للفعل؟

إذا غاب أحد هذه العناصر، فلن يحدث السلوك.

مثال تطبيقي: لماذا نُرسل رسائل على واتساب أكثر من البريد الإلكتروني؟
الحافز: التواصل الفوري مع الأصدقاء.
القدرة: مجرد كتابة سريعة والضغط على زر الإرسال (أسرع بكثير من كتابة بريد إلكتروني).
الإشارة: إشعار جديد أو رؤية اسم الصديق في قائمة الدردشة.

بالمقابل، لو كان إرسال الرسالة يتطلب ملء نموذج طويل، فلن يستخدمه أحد!

أمثلة على تصاميم واجهات تحفّز السلوك

الشركات الناجحة تعرف كيف تستغل هذا القانون لجعل تفاعل المستخدمين سلسًا ولا إراديًا تقريبًا. إليك بعض الأمثلة:

فيسبوك:

  • زر الإعجاب 👍‍ يظهر دائمًا أسفل المنشور، بضغطة واحدة فقط، مما يشجع المستخدم على التفاعل بسهولة.
  • خاصية “التمرير اللانهائي” تجعلك تواصل التصفح دون تفكير.

يوتيوب:

  • تشغيل الفيديو التالي تلقائيًا دون أن تضغط على أي زر.
  • زر الاشتراك أحمر وبارز، يجذب العين ويجعل الاشتراك عملية فورية.

تيك توك:

  • لا توجد أزرار معقدة، فقط اسحب لأعلى لمشاهدة الفيديو التالي.
  • كل فيديو يبدأ تلقائيًا، مما يجعل التفاعل سهلًا وسريعًا.

لماذا هذه التصاميم فعالة جدًا؟

لأنها تعتمد على تقليل الجهد الذهني والبدني. الإنسان بطبيعته يختار الطريق الأسهل، فإذا جعلت المنتج يتطلب جهدًا أقل من البديل، فسيتحول إلى عادة.

خذ مثال الدفع الإلكتروني: لماذا أصبح Apple Pay وGoogle Pay شائعين جدًا؟
لأنك بدلاً من إدخال بيانات بطاقتك في كل مرة، كل ما عليك هو تمرير الهاتف والشراء بضغطة واحدة.

كلما قلّ الجهد المطلوب، زادت احتمالية أن يصبح الفعل عادة يومية!

خلاصة القول:

لكي ينتقل المستخدم من الرغبة إلى الفعل، يجب أن يكون التفاعل مع المنتج:
✔️ سهلًا وسريعًا (زر واحد، تمرير بسيط، بدون تعقيد).
✔️ ممتعًا أو محفزًا (إعجاب، مشاركة، مكافأة فورية).
✔️ مدعومًا بمحفزات قوية (إشعارات، تصاميم جذابة، أو شعور بالإنجاز).

كلما أصبح الفعل جزءًا من الروتين اليومي، كلما زادت قوة العادة.

المرحلة الثالثة: المكافأة المتغيرة

في هذه المرحلة، يدخل المستخدم في حلقة الإدمان الحقيقية، حيث يصبح المنتج أكثر من مجرد أداة مفيدة (رغبة مستمرة). ولكن لماذا؟ السر يكمن في المكافآت المتغيرة.

كل مرة تتفاعل فيها مع تطبيق أو خدمة، أنت تبحث عن المكافأة، لكن عندما تكون هذه المكافأة غير متوقعة، فإن الدماغ يظل متحفزًا للعودة مرارًا وتكرارًا، على أمل الحصول على لحظة الإثارة القادمة.

لماذا تدفعنا المكافآت غير المتوقعة للإدمان؟

الدماغ البشري مدمن على الفضول والتوقعات. عندما نعرف بالضبط ما سنحصل عليه، يقل الحماس. لكن عندما يكون هناك عنصر مفاجأة، يتم تنشيط مركز المكافآت في الدماغ (نظام الدوبامين)، مما يجعلنا نعود مرة أخرى دون تفكير.

هذا بالضبط ما يحدث مع:

  • مواقع التواصل الاجتماعي: “كم عدد الإعجابات التي حصلت عليها؟”
  • يوتيوب ونتفليكس: “ما الفيديو التالي الذي قد يعجبني؟”
  • الألعاب الإلكترونية: “هل سأحصل على مكافأة نادرة؟”
  • التسوق الإلكتروني: “هل هناك خصومات مفاجئة اليوم؟”

في كل مرة يكون النتيجة غير مضمونة، يصبح الدماغ متشوقًا لمعرفة النتيجة، مما يدفعنا للبقاء متصلين لساعات طويلة دون وعي.

أنواع المكافآت الثلاثة: كيف يخدعك الدماغ؟

نير إيال يقسم المكافآت المتغيرة إلى ثلاثة أنواع رئيسية، كل منها يستهدف جانبًا مختلفًا من دوافعنا البشرية:

1️⃣ المكافآت الاجتماعية

البشر كائنات اجتماعية، وإدمان القبول الاجتماعي محفور في أدمغتنا منذ آلاف السنين. عندما نحصل على إعجاب أو تعليق أو مشاركة، يشعر دماغنا بأنه مقبول ومحبوب، فيفرز الدوبامين الذي يجعلنا نرغب في المزيد.

كيف تستخدم الشركات هذا؟
فيسبوك وإنستغرام: إشعارات الإعجابات والتعليقات تجعلنا نعود باستمرار.
تويتر: إعادة التغريد (رتويت) يعطينا إحساسًا بالقيمة والمكانة الاجتماعية.
واتساب: علامات “تم القراءة” ✓✓ تجعلنا نشعر بالترقب والقلق الاجتماعي.

النتيجة؟ نحن عالقون في حلقة “هل تفاعل معي أحد؟”، مما يجعلنا نتحقق من الهاتف كل بضع دقائق!

2️⃣ المكافآت المادية

هذا النوع من المكافآت يعتمد على غريزة الصيد التي تطورت لدى البشر منذ آلاف السنين. قديماً، كنا نبحث عن الطعام والماء، واليوم نبحث عن محتوى جديد، فرص، أو مكاسب مادية.

أمثلة على ذلك؟
يوتيوب ونتفليكس: ميزة “التشغيل التلقائي” تجعلنا ننتظر الفيديو التالي، على أمل العثور على شيء جديد وممتع.
تيك توك وإنستغرام ريلز: التمرير اللانهائي يجعلك تبحث بلا نهاية عن محتوى أكثر إثارة.
أمازون وسوق.كوم: عروض وخصومات متغيرة تحفزك على الشراء قبل أن “تضيع الفرصة”.

النتيجة؟ نحن مدمنون على البحث عن الجديد، حتى لو لم نكن بحاجة إليه فعلًا!

3️⃣ المكافآت الذاتية 

هذا النوع من المكافآت يعتمد على الشعور بالإنجاز والتحدي. البشر يحبون تحقيق الأهداف، وعندما نشعر بالتقدم، نريد الاستمرار.

كيف تستخدم الشركات هذا؟
لينكدإن: إكمال الملف الشخصي بنسبة 100% يجعلك تشعر بالإنجاز.
ألعاب الفيديو: كلما تجاوزت مستوى، تحصل على نقاط أو جوائز تحفزك على اللعب أكثر.
تطبيقات اللياقة والتعلم: عداد الخطوات أو عدد الدروس المنجزة يعزز الشعور بالإنجاز.

النتيجة؟ نحن عالقون في حلقة التحفيز، ونشعر بالحاجة إلى إكمال المزيد والمزيد!

كيف تستخدم المنصات الكبرى هذه الحيلة؟

✔️ تويتر: هل سيكون هناك تغريدة جديدة مثيرة؟ قد يكون هناك ترند مفاجئ!
✔️ يوتيوب: هل الفيديو القادم سيكون أفضل من السابق؟ لن تعرف حتى تشاهده!
✔️ إنستغرام: هل هناك رسالة غير مقروءة؟ هل هناك تعليق جديد؟
✔️ سناب شات: سلسلة “الستريك” تجعلك تفتح التطبيق يوميًا حتى لا تخسر التقدم!

كل هذه الميزات تعتمد على عنصر المفاجأة وعدم اليقين، مما يجعل الدماغ يعود مرارًا وتكرارًا دون ملل.

الخلاصة: كيف تتحول المكافآت إلى إدمان؟

1️⃣ العقل يحب التوقعات، لكنه يعشق المفاجآت!
2️⃣ المكافآت المتغيرة تحفز الدوبامين، مما يجعلنا مدمنين على التحقق المستمر.
3️⃣ المنصات الكبرى تستغل هذا المبدأ لإبقائنا عالقين لساعات طويلة دون وعي.

المرحلة الرابعة: الاستثمار

بعد أن يمر المستخدم بالمحفز، ثم يتخذ الفعل، ويحصل على المكافأة المتغيرة، تأتي المرحلة الأخيرة: الاستثمار. وهنا يحدث السحر الحقيقي! في هذه المرحلة، يصبح المستخدم مرتبطًا نفسيًا وعاطفيًا بالمنتج، مما يجعله يعود إليه بمحض إرادته، بل وربما يدافع عنه أمام الآخرين!

ولكن كيف يحدث هذا؟ لماذا نجد أنفسنا نعود إلى بعض التطبيقات يوميًا دون تفكير، بينما نتجاهل غيرها؟ السر يكمن في الاستثمار الشخصي—كلما بذل المستخدم جهدًا أو وقتًا أو بيانات شخصية في المنتج، زاد ارتباطه العاطفي به، وأصبح من الصعب التخلي عنه.

كيف يساهم استثمار المستخدم في زيادة ارتباطه بالمنتج؟

عندما يستثمر المستخدم في المنتج، فإنه يرفع من قيمته الشخصية في عقله دون وعي. وكلما زاد هذا الاستثمار، كلما شعر أن ترك المنتج سيعني خسارة شيء مهم. وهذا ما يسمى في علم النفس بـ تأثير التملك، حيث يميل الناس إلى تقدير الأشياء التي يشعرون بأنها تخصهم أكثر من غيرهم.

أمثلة من الواقع:

فيسبوك: عندما تقضي سنوات في نشر صورك ومنشوراتك، تصبح مرتبطًا بالمنصة، وتجد صعوبة في حذف حسابك لأنك ستفقد جزءًا من ذكرياتك.
سناب شات: ميزة “الستريك” تجعلك تستثمر وقتك في إرسال الرسائل يوميًا، مما يجعلك مدمنًا على التطبيق.
سبوتيفاي: بعد إنشاء قوائم تشغيل خاصة بك (Playlists)، يصبح من الصعب الانتقال إلى خدمة أخرى لأنك استثمرت وقتًا وجهدًا في تنظيم موسيقاك.
واتساب: مجموعات العائلة والأصدقاء تجعلك تشعر أن لديك أصولًا اجتماعية على التطبيق، مما يمنعك من التبديل إلى تطبيق آخر.

دور الجهد والبيانات الشخصية في تعزيز الولاء للمنتج

1️⃣ كلما بذل المستخدم جهدًا في تخصيص المنتج، كلما شعر بأنه “ملكه”
مثل إعداد القوائم في نتفليكس، أو ترتيب التطبيقات في الهاتف، أو تخصيص إعدادات لينكدإن.

2️⃣ كلما قدم المستخدم بيانات شخصية، أصبح من الصعب عليه ترك المنتج
مثل تسجيل الوزن والطعام في تطبيقات اللياقة، أو كتابة الملاحظات في Google Keep، أو حفظ المقالات في Pocket.

3️⃣ كلما تفاعل المستخدم أكثر، كلما زادت رغبته في الاستمرار
مثل التعليق على منشورات في فيسبوك، أو نشر تغريدات في تويتر، أو تحميل صور في إنستغرام.

كيف تستخدم الشركات الاستثمار لخلق الولاء؟

يوتيوب: كلما شاهدت مقاطع أكثر، زادت دقة التوصيات، مما يجعلك تشعر أن التطبيق “يفهمك”.
أمازون: كلما سجلت عناوينك وبطاقتك الائتمانية، أصبح من الصعب عليك التسوق في مكان آخر.
نتفليكس: كلما شاهدت محتوى أكثر، أصبح من المستحيل ترك الخدمة لأنك “بنيت” مكتبة مشاهداتك.

خلاصة القول: لماذا لا نستطيع التوقف عن استخدام بعض المنتجات؟

1️⃣ الاستثمار يجعلنا نشعر أن المنتج أصبح جزءًا منا.
2️⃣ كلما أعطينا المنتج وقتنا وجهدنا، زاد ارتباطنا به.
3️⃣ الشركات تستخدم هذا المبدأ لجعل المستخدمين يعودون دائمًا، دون الحاجة حتى إلى المحفزات الخارجية!

وهكذا يكتمل نموذج الخطاف، حيث يصبح المستخدم مدمنًا على المنتج بشكل غير واعٍ، دون الحاجة إلى أي إعلان أو ترويج إضافي!

الختام: كيف نستخدم هذه المبادئ بوعي؟

بعد فهم نموذج الخطاف، السؤال الآن:

  • هل نحن مستخدمون أم مستخدَمون؟
  • كيف يمكننا التحكم في سلوكنا بدلاً من أن تتحكم فينا هذه المنصات؟
  • وكيف يمكن لرواد الأعمال العرب الاستفادة من هذه المبادئ لبناء منتجات ناجحة؟

الأخلاقيات والمسؤولية: متى يصبح التصميم خطيرًا؟

بعد أن فهمنا كيف تعمل العادات الرقمية، يأتي السؤال الأهم: متى يصبح هذا التصميم مشكلة أخلاقية؟ هل من المقبول أن تُصمم المنتجات لتكون “إدمانية”؟ أم أن هناك خيطًا رفيعًا بين بناء العادات الصحية واستغلال نقاط ضعفنا النفسية؟

هنا يكمن التحدي: الشركات تريد زيادة التفاعل، لكن المستخدمين لا يريدون أن يكونوا عبيدًا للتكنولوجيا. فكيف يمكن تحقيق التوازن؟

الفرق بين الإدمان العادي والإدمان القهري

ليس كل استخدام متكرر للتكنولوجيا يُعتبر إدمانًا! هناك فرق بين العادة و الإدمان القهري:

الإدمان العادي:

  • عندما يكون الاستخدام مفيدًا أو ممتعًا دون تأثير سلبي على حياة المستخدم.
  • مثل قراءة الأخبار كل صباح أو التمرين اليومي على تطبيق رياضي.

الإدمان القهري:

  • عندما يصبح المستخدم غير قادر على التحكم في سلوكه.
  • عندما يؤثر الاستخدام على صحته النفسية أو علاقاته الاجتماعية أو إنتاجيته.
  • مثل التمرير اللانهائي على إنستغرام لعدة ساعات دون إدراك الوقت.

كيف يمكن للشركات تصميم منتجات بطريقة أخلاقية؟

لا يجب أن يكون هدف الشركات حصر المستخدمين داخل منتجاتها بأي ثمن، بل يمكنها اتباع ممارسات تصميم أخلاقية تحافظ على رضا المستخدم دون استغلاله.

1. الشفافية: يجب أن تكون المنصات واضحة بشأن كيفية عمل الخوارزميات ولماذا تعرض محتوى معينًا.
2. وضع حدود: إضافة ميزات تساعد المستخدمين على التحكم في وقتهم، مثل مؤقتات الاستخدام في تيك توك ويوتيوب.
3. تقليل الإلهاء: تقليل الإشعارات غير الضرورية التي تُبقي المستخدمين عالقين في دوامة التفاعل المستمر.
4. تعزيز العادات الصحية: مثل تشجيع تطبيقات اللياقة على الاستراحات بدلاً من الدفع نحو الاستخدام المستمر.

مثال: فيسبوك أضاف ميزة “وقت الشاشة” التي تتيح للمستخدم معرفة المدة التي قضاها في التصفح، وهي خطوة إيجابية لكنها تظل محدودة ما لم يستخدمها الأشخاص بوعي.

إطار عمل لمراعاة أخلاقيات التصميم

لضمان أن المنتجات لا تتحول إلى أدوات للإدمان القهري، يمكن للمطورين والمصممين اتباع إطار أخلاقي يتكون من الأسئلة التالية:

✔ 1. هل المنتج يساعد المستخدمين على تحقيق أهدافهم الشخصية أم يستهلك وقتهم فقط؟
✔ 2. هل يعتمد المنتج على الإلهاء والتلاعب، أم أنه يمنح المستخدم تحكمًا حقيقيًا؟
✔ 3. هل يحتوي المنتج على ميزات تساعد المستخدمين على تقليل الاستخدام المفرط إذا أرادوا ذلك؟
✔ 4. هل يمكن للمنتج أن يكون ناجحًا تجاريًا دون الاعتماد على الإدمان القهري؟

مثال إيجابي: تطبيق “Calm” للتأمل مصمم لمساعدة المستخدمين على تقليل التوتر، وليس لجعلهم يقضون ساعات في استخدامه.
مثال سلبي: ألعاب الجوال التي تستخدم أنظمة المكافآت اليومية لإجبار المستخدم على تسجيل الدخول كل يوم خوفًا من خسارة تقدمه.

الخلاصة: هل التكنولوجيا تعمل لصالحنا أم ضدنا؟

التكنولوجيا ليست شريرة بطبيعتها، ولكن طريقة تصميم المنتجات يمكن أن تجعلها إما أداة مفيدة أو مصدرًا للإدمان. الحل لا يكمن فقط في المستخدمين، بل أيضًا في الشركات والمطورين الذين يتحملون مسؤولية بناء منتجات تحترم وقت ووعي المستخدمين.

 الدرس الأهم: لا بأس في استخدام التكنولوجيا، ولكن يجب أن نكون نحن المسيطرين عليها، وليس العكس!

في الختام : كيف يمكننا تطبيق هذه المبادئ في حياتنا؟

بعد أن فهمنا كيف تُصمم المنتجات الرقمية لتُصبح جزءًا من حياتنا اليومية، يبقى السؤال الأهم: كيف نستخدم هذه المبادئ لصالحنا بدلاً من أن نكون ضحايا لها؟ سواء كنت رائد أعمال يسعى لبناء منتج ناجح، أو شخصًا يريد بناء عادات إيجابية، فإن نموذج “الخطاف” يمكن أن يكون أداة قوية للتأثير الإيجابي إذا طُبّق بوعي.

في النهاية، نموذج “الخطاف” سيف ذو حدين: يمكن أن يُستخدم لخلق منتجات تساعد المستخدمين على تحقيق أهدافهم، أو قد يُستغل لجذبهم إلى الإدمان القهري. الوعي بهذه المبادئ هو مفتاح التحكم بها بدلاً من أن تتحكم بنا.

📌 تذكّر: سواء كنت مطورًا أو مستخدمًا، القرار في يدك، إما أن تكون مسيّرًا أو أن تستخدم التكنولوجيا والعادات لصالحك!

Click to rate this post!
[Total: 0 Average: 0]