تخيل أن الإبداع كائن حيّ، يتجول حولنا، يبحث عن الشخص المناسب ليهمس له بفكرة جديدة، قصة لم تُروَ بعد، أو مشروع فني فريد. هذا ليس نقاش خيالى، بل هو جوهر ما تؤمن به إليزابيث جيلبرت في كتابها “السحر الكبير”. بالنسبة لها، الإبداع ليس كونه مهارة أو موهبة، بل هو كيان له طاقة خاصة، وإذا لم تلتقطه في اللحظة المناسبة، سيذهب ليجد شخصًا آخر أكثر استعدادًا له.

لا تتحدث جيلبرت عن الإبداع بأسلوب نظري جاف، بل تحكي قصصًا مدهشة تدعم فكرتها. إحدى هذه القصص كانت عن رواية لم تُكتب. كانت لديها فكرة لكتابة رواية تدور حول مغامرة في غابات الأمازون، ولكنها ترددت قليلًا وانشغلت بمشاريع أخرى. بعد فترة، التقت بصديقتها الكاتبة آن باتشيت، واكتشفت أن الأخيرة بدأت تكتب رواية بالفكرة نفسها تقريبًا! بالنسبة لجيلبرت، لم يكن هذا مجرد صدفة، بل دليل على أن الإبداع مثل الكائن الحي، إذا أهملته، سيجد بيتًا آخر.

“الإبداع يحب الشجاعة، لكنه يكره الخوف” – هذه واحدة من العبارات الأساسية في الكتاب. فكم من مرة راودتك فكرة رائعة، لكنك خفت من الفشل أو من رأي الآخرين فتراجعت؟ هنا تكمن المشكلة الكبرى، حيث يصبح الخوف هو العائق الأول أمام الإبداع، وليس نقص الموهبة أو قلة الفرص.

في هذه الرحلة، تأخذنا جيلبرت عبر تجربة شخصية ومهنية غنية، لتكشف لنا كيف نتعامل مع الإبداع بلا خوف، كيف نستمتع به دون أن نحمله عبء النجاح أو الفشل، وكيف نجد “السحر الكبير” في أبسط لحظات الحياة.

هذا الكتاب ليس فقط لمن يعملون في مجالات الكتابة أو الفن، بل لأي شخص يريد أن يعيش حياة أكثر إبداعًا وحرية. سواء كنت تحب الطبخ، التصميم، التدوين، أو حتى الأعمال اليدوية، ستجد في “السحر الكبير” مفاتيح لفهم علاقتك مع الإبداع بطريقة جديدة تمامًا.

الشجاعة – كيف تتغلب على الخوف الذي يعيق الإبداع؟

الخوف هو أول عقبة تقف بينك وبين الإبداع. جيلبرت لا تطلب منك أن تتخلص منه تمامًا، لأنها ترى أن ذلك مستحيل. بل تقترح طريقة أكثر ذكاءً: “اسمح للخوف بأن يكون موجودًا، لكن لا تدعه يقودك”. تخيل أنك في رحلة طويلة، الإبداع هو السائق، وأنت بجانبه، أما الخوف فهو مجرد راكب في المقعد الخلفي، لا يحق له أن يوجه الطريق أو يقرر الوجهة.

لكن لماذا نخاف من الإبداع؟ لأننا نخشى الفشل، نخشى أن يسخر منا الآخرون، نخشى ألا يكون ما نقدمه جيدًا بما يكفي. هذه المخاوف مألوفة، لكن المشكلة الحقيقية تبدأ حين تجعلنا نتجمد بدل أن نحاول. تقول جيلبرت:

“الخوف سيكون موجودًا دائمًا، لكن إن انتظرته ليختفي قبل أن تبدأ، فلن تبدأ أبدًا.”

قصة البداية الخاطئة ليست نهاية الطريق

تروي الكاتبة قصة عن نفسها عندما كانت في بداية مسيرتها. كانت تكتب، ولكنها كانت تخشى أن تكون كتاباتها بلا قيمة. ذات مرة، تلقت رسالة رفض من دار نشر، وكان الرد محبطًا جدًا. بدلاً من الاستسلام، قررت أن تتعامل مع الكتابة كعمل يومي، تمامًا كما يذهب النجار إلى ورشته كل يوم. لم تعد تربط بين قيمتها ككاتبة وبين قبول أعمالها أو رفضها.

وهنا تقدم لنا درسًا مهمًا: أنت لست ما تنتجه، أنت ما تحبه وتستمر في ممارسته. هذا التفكير يحررك من الخوف من الفشل، لأنك لم تعد تقيس نجاحك بمقياس الآخرين، بل بمقدار استمتاعك بما تفعل.

الخوف من رأي الناس – هل يهم حقًا؟

في مجتمعاتنا العربية، كثيرون يخافون من انتقادات العائلة أو الأصدقاء عند تجربة شيء جديد. “ماذا سيقول الناس؟” سؤال يقتل آلاف الأحلام قبل أن تبدأ. لكن الحقيقة هي أن الناس مشغولون بحياتهم أكثر مما تعتقد، وحتى لو انتقدوك، فهذه آراؤهم وليست حقيقتك.

تذكرنا جيلبرت بأن لا أحد يولد محترفًا. تخيل لو أن كبار الفنانين أو الكتاب توقفوا لأنهم تلقوا نقدًا في بداياتهم. كم من لوحات لم تُرسم؟ كم من كتب لم تُكتب؟ كم من أفكار ماتت بسبب الخوف؟

افعلها رغم الخوف، بل بوجوده

الحل الذي تقترحه جيلبرت بسيط جدًا: افعل الشيء الذي تخاف منه، ولكن افعله على أي حال.

  • تريد أن تبدأ في الرسم؟ ارسم، حتى لو لم يكن جيدًا.
  • تريد أن تكتب؟ اكتب، حتى لو لم يكن أحد يقرأ لك الآن.
  • تريد أن تبدأ مشروعًا جديدًا؟ جرب، حتى لو لم يكن لديك كل الإجابات.

لأن المبدعين ليسوا من لا يشعرون بالخوف، بل من يتحركون رغم وجوده.

السحر – كيف تأتي الأفكار الإبداعية وتختفي؟

الإبداع، كما تصفه إليزابيث جيلبرت، ليس شيئًا منطقيًا أو يمكن السيطرة عليه بالكامل. بل هو أشبه بطاقة غامضة، كروح حرة تتجول بيننا، تبحث عن الشخص المناسب لتحل عليه. حين تكون مستعدًا لاستقبالها، تهبط عليك الفكرة كالوحي، وإن لم تكن جاهزًا، ستمضي إلى شخص آخر.

قد يبدو هذا الكلام أقرب إلى الأساطير، لكن جيلبرت لا تتحدث عن الإبداع كعلم دقيق، بل كظاهرة حقيقية عاشها كل مبدع في لحظة ما. كم مرة شعرت بفكرة مذهلة تضيء في عقلك، لكنك أهملتها، ثم رأيتها بعد فترة وقد نفذها شخص آخر؟ هذا ليس صدفة، بل دليل على أن الإبداع طاقة عابرة، لا تنتظر أحدًا.

قصة الفكرة الضائعة – حين انتقلت القصة إلى كاتب آخر

تحكي جيلبرت عن مشروع روائي كانت تعمل عليه بحماس. كانت القصة تدور حول امرأة أمريكية تجد نفسها في مغامرة داخل غابات الأمازون. لكنها ترددت في كتابتها وتأجلت الفكرة لفترة طويلة. وعندما قررت العودة إليها، اكتشفت أنها فقدت الحماس لها تمامًا.

بعد فترة، التقت بصديقتها الكاتبة آن باتشيت، التي أخبرتها أنها تعمل على رواية جديدة تدور أحداثها في الأمازون، بتفاصيل قريبة جدًا من فكرتها! كانت جيلبرت مصدومة، لكنها لم تغضب، بل شعرت أن الفكرة، التي أهملتها، قررت البحث عن بيت جديد.

هذا يؤكد فكرة أن الإبداع كائن حيّ يبحث عن الشخص الذي يمنحه الحياة، وإن لم تفعل، فسيذهب إلى من لديه الاستعداد لاحتضانه والعمل عليه.

كيف تستقبل الأفكار قبل أن ترحل؟

ترى جيلبرت أن على كل شخص أن يكون مستعدًا لاستقبال لحظة الإلهام قبل أن تفوته الفرصة. لكنها تحذر من أن الأفكار لا تنتظر الكمال، بل تحتاج فقط إلى من يتحرك نحوها بسرعة.

  • إن خطرت لك فكرة، دونها فورًا. لا تقل “سأتذكرها لاحقًا”، لأنك على الأرجح ستنساها.
  • إن شعرت بالحماس تجاه شيء ما، ابدأ العمل عليه فورًا، ولو بخطوة بسيطة.
  • لا تنتظر الظروف المثالية، لأن الإبداع لا يحب الانتظار.

“الإلهام لا يصبر على المترددين”، كما تقول جيلبرت. لذا، عليك أن تتصرف بسرعة قبل أن تضيع منك لحظة السحر.

الإصرار – لماذا يجب أن تستمر في الإبداع حتى لو لم تكن النتائج مثالية؟

كثيرون يظنون أن الإبداع مرتبط بالموهبة فقط، وأنه إما أن تكون عبقريًا منذ اللحظة الأولى، أو فلا داعي للمحاولة. إليزابيث جيلبرت ترفض هذا المنطق تمامًا، وتؤكد أن الإبداع ليس هدية سماوية، بل عادة تحتاج إلى صبر وإصرار. المبدعون الحقيقيون ليسوا أولئك الذين يملكون مهارة خارقة منذ البداية، بل هم الذين يواصلون رغم الفشل والانتقادات.

كم مرة حاولت أن تبدأ شيئًا جديدًا ثم تراجعت لأنك لم تكن راضيًا عن النتيجة؟ هنا يكمن الفخ الذي يقع فيه أغلب الناس: الانتظار حتى يصبحوا مثاليين قبل أن يبدؤوا. تذكّرنا جيلبرت بحقيقة مهمة:

“لن يكون أي عمل فني مثاليًا، لكن هذا لا يعني أنه بلا قيمة.”

الإبداع هو التزام طويل الأمد

تحكي الكاتبة عن سنوات من الرفض والنقد قبل أن تحقق النجاح. روايتها الشهيرة “طعام، صلاة، حب” لم تكن أول ما كتبته، بل جاءت بعد سنوات من العمل المتواصل. لو كانت توقفت عن الكتابة بعد أول رفض، لما وصلنا إلى كتبها اليوم.

في أحد المقاطع، تتحدث عن كاتب شاب سألها:
“كيف أعرف أنني سأصبح كاتبًا ناجحًا؟”
فكان جوابها بسيطًا:
“إذا كنت تستطيع التوقف عن الكتابة دون أن تشعر بأن جزءًا منك قد مات، فربما هذا ليس طريقك. لكن إن كنت تكتب رغم الفشل والرفض، فأنت كاتب بالفعل.”

هذه الفكرة تنطبق على كل مجالات الإبداع:

  • الفنان الذي يرسم يوميًا حتى لو لم يعرض لوحاته في معرض كبير.
  • الموسيقي الذي يعزف رغم قلة الجمهور.
  • المصمم الذي يعمل على أفكاره حتى لو لم تحصل على شهرة بعد.

الفشل جزء طبيعي من الرحلة

تؤكد جيلبرت أن كل مبدع ناجح مرّ بفترات من الفشل والإحباط. لكنها ترى أن الفشل ليس علامة على أنك لست جيدًا، بل هو دليل على أنك تحاول. الفرق بين من ينجح ومن يتوقف ليس في الموهبة فقط، بل في القدرة على الاستمرار رغم العقبات.

في أحد فصول الكتاب، تروي قصة الشاعر العظيم جاك جيلبرت، الذي كان يرى أن سر الإبداع ليس في البحث عن الكمال، بل في الاستمرار في المحاولة دون أن تأخذ نفسك بجدية مفرطة. كان يقول:
“افعل ما تحب، ولا تكن دراميًا بشأنه.”

بمعنى آخر: استمتع بالإبداع، جرب، افشل، وكرر المحاولة، لكن لا تسمح للخوف أو النقد أن يوقفك.

الإبداع يحتاج إلى حب أكثر من حاجته إلى الاعتراف

الكثيرون يربطون النجاح بالإشادة من الآخرين، لكن جيلبرت تعتقد أن هذا خطر كبير. إذا كان حماسك للإبداع مرتبطًا بالجوائز أو الشهرة، فماذا سيحدث لو لم تحصل عليها؟ هنا يصبح شغفك هشًا، لأنك تعتمد على اعتراف الآخرين بدلًا من حبك للعمل نفسه.

الحل؟ أحبّ ما تفعله، بغض النظر عن النتيجة. كن مثل الطفل الذي يرسم بلا خوف، فقط لأنه يستمتع بذلك.

التواضع – كيف تتعامل مع الفشل والنجاح دون أن يؤثرا على مسارك الإبداعي؟

في عالم الإبداع، الفشل ليس نهاية الطريق، والنجاح ليس ضمانًا للاستمرار. تؤكد إليزابيث جيلبرت أن التواضع هو ما يحمي المبدع من الغرور عند النجاح، ومن الإحباط عند الفشل. إذا علّقت قيمتك الشخصية على رأي الآخرين أو على عدد الجوائز التي تحصل عليها، فأنت تسلّم مصيرك إلى أشياء خارجة عن إرادتك.

النجاح والفشل وجهان لعملة واحدة

ترى جيلبرت أن النجاح والفشل متشابهان أكثر مما نعتقد، فكلاهما تجربة مكثفة تهدد بزعزعة استقرارك. عندما تفشل، تشعر بأنك غير كافٍ، وعندما تنجح، قد تشعر أنك عبقري لا يُقهر. وفي الحالتين، إذا لم تكن متواضعًا، فقد تفقد توازنك بسهولة.

تحكي عن تجربتها بعد النجاح الضخم لروايتها طعام، صلاة، حب. فجأة، أصبحت في دائرة الضوء، وكل شيء كتبته بعدها كان تحت المجهر. البعض كان ينتظر منها تحفة أدبية أخرى، والبعض كان ينتظر سقوطها. لو أنها استمعت لكل الآراء، لكانت قد توقفت عن الكتابة تمامًا. لكنها اتخذت قرارًا مهمًا: أن تستمر في العمل كما كانت تفعل قبل أن تصبح مشهورة، دون أن تجعل النجاح أو الفشل يحدد هويتها.

كيف تتعامل مع النجاح دون أن يصبح عبئًا؟

تقدم جيلبرت نصيحة بسيطة لكنها فعالة: “عندما تحقق نجاحًا كبيرًا، افعل ما كنت ستفعله لو فشلت: عد إلى العمل.”

بمعنى آخر، لا تجعل النجاح يوقفك كما قد يفعل الفشل. استمر في الكتابة، الرسم، العزف، التصميم، أو أي شيء تحبّه، بغض النظر عن التوقعات.

ماذا تفعل عندما تفشل؟

الفشل مؤلم، لكنه ليس نهاية العالم. تقارن جيلبرت الفشل بالسقوط على الأرض وتقول:
“إذا سقطت، قم والتقط حفنة من التراب، واشعر أنك لا تزال جزءًا من هذا العالم.”

بمعنى: لا تسمح للفشل أن يعزلك أو يجعلك تشعر أنك غير مهم. بل تعامل معه على أنه فرصة للتعلم، وخذ منه ما تحتاجه، ثم استمر في العمل وكأن شيئًا لم يكن.

العودة إلى الحب الأول

عندما يضيع المبدع في دوامة النجاح أو الفشل، تنصحه جيلبرت بأن يعود إلى السبب الذي جعله يبدأ في المقام الأول: الحب الصادق للإبداع. لا تكتب من أجل الشهرة، لا ترسم من أجل المعارض، لا تعزف من أجل التصفيق. افعل ما تحب، لأنك تحبه، لا أكثر ولا أقل.

الثقة – أهمية العمل من أجل المتعة وليس بدافع الشهرة أو المال فقط

في عصرنا الحالي، أصبحت الشهرة والمال معيار النجاح بالنسبة للكثيرين. لكن إليزابيث جيلبرت تحذر من هذا الفخ، وتؤكد أن المبدع الحقيقي هو من يعمل لأنه يحب ما يفعل، وليس لأنه يريد التصفيق أو العائد المادي. الثقة الحقيقية تأتي عندما تؤمن بأن عملك الإبداعي له قيمة، بغض النظر عن آراء الآخرين.

الإبداع ليس صفقة تجارية

تعتقد جيلبرت أن التعامل مع الإبداع كوظيفة بدخل مضمون يقتل روح الابتكار. إذا كنت تكتب، ترسم، أو تلحن فقط لأنك تريد كسب المال، فغالبًا ستفقد شغفك بسرعة. ليس لأنها ترفض الربح، ولكن لأنها ترى أن الإبداع يجب أن يكون مدفوعًا بالحب أولًا.

تحكي كيف كانت تعمل في وظائف متعددة لدفع فواتيرها حتى بعد أن نشرت كتبًا. لم تتوقف عن الكتابة، لكنها لم تجبر كتاباتها على تحمل عبء إعالتها المادي. كانت تكتب لأنها تحب الكتابة، وليس لأنها تحتاج لدخل منها.

“لا تقتل شغفك بجعله مصدر رزقك الوحيد. دعه يتنفس بحرية، ودعه يكون مغامرتك الخاصة.”

اللعب بدلاً من الضغط

ترى جيلبرت أن المبدعين الأكثر نجاحًا هم من يتعاملون مع الإبداع بروح اللعب، لا بروح الإجبار. الطفل الذي يرسم لأنه يحب الرسم لا يقلق إن كانت لوحاته “جيدة بما يكفي”. لكنه لو بدأ التفكير في المعايير والتقييمات، سيفقد استمتاعه بها.

لذلك، تنصح كل مبدع بأن يسأل نفسه:

  • هل أكتب/أرسم/أبدع لأنني أحب ذلك؟
  • أم لأنني أريد إعجاب الناس بي؟

إذا كان السبب الثاني هو الدافع الوحيد، فالإبداع سيتحول إلى عبء ثقيل بدلًا من كونه متعة.

الثقة الحقيقية تأتي من الداخل

تؤمن جيلبرت أن المبدع الذي ينتظر التصفيق ليشعر بقيمته سيظل خائفًا من الفشل دائمًا. لكن من يؤمن بقيمة عمله، سواء نال التقدير أم لا، هو من يستمر في الإبداع دون قلق.

في أحد المقاطع، تحكي عن رسام قضى حياته يرسم لوحات لم يشتريها أحد، لكنه لم يتوقف لأنه كان يؤمن بأن الفن يستحق أن يُخلَق، سواء شاهده أحد أم لا.

عش حياة إبداعية بغض النظر عن النتيجة

إذا كنت تحب الكتابة، فاكتب. إذا كنت تحب العزف، فاعزف. إذا كنت تحب الرسم، فارسم. لا تنتظر الضوء الأخضر من أحد. افعلها لأنك تستمتع بها، لأنك ستكون أكثر سعادة وأنت تفعلها، بغض النظر عن أي شيء آخر.

الإبداع بلا خوف – كيف تعيش حياة مليئة بالإبداع دون القلق من الكمال أو النقد؟

الخوف هو العدو الأول للإبداع. كثيرون يتوقفون عن الكتابة، الرسم، التلحين، أو أي عمل إبداعي فقط لأنهم يخشون الفشل أو النقد أو عدم تحقيق الكمال. لكن إليزابيث جيلبرت في السحر الكبير تقدم فلسفة مختلفة تمامًا: “عِش حياة إبداعية بلا خوف، ولا تدع القلق يسرق منك متعة الخلق.”

الخوف سيبقى معك دائمًا، فلا تحاول التخلص منه

تقول جيلبرت إن الخوف والإبداع يسافران معًا دائمًا، لكن لا يجب أن تعطي الخوف مقعد القيادة. تخيل أنك في رحلة، والإبداع هو السائق، والخوف يجلس في المقعد الخلفي. لا يمكنك طرده تمامًا، لكنه ليس من حقه أن يقرر الوجهة، أو يلمس عجلة القيادة، أو حتى يعبث بالراديو!

إذا انتظرت اللحظة التي ستشعر فيها بأنك “جاهز تمامًا”، أو “لا تخاف إطلاقًا”، فقد لا تبدأ أبدًا. اصنع، اكتب، ارسم، أبدع، حتى وأنت خائف.

“الإبداع هو فعل شجاع. لا تنتظر أن يختفي الخوف، بل تعلم كيف تتعايش معه.”

الكمال فخ قاتل

كثيرون يعتقدون أن الإبداع يعني إنتاج عمل مثالي، لكن جيلبرت ترى أن هذا وهم كبير. الكمال ليس سوى ذريعة يستخدمها الخوف ليمنعك من الإبداع. فبدلًا من إنهاء مشروعك، تقنع نفسك بأنه “ليس جاهزًا بعد”، وتظل تعيد تعديله حتى تفقد الشغف تمامًا.

جيلبرت تقدم نصيحة ذهبية: “اجعل هدفك أن تنهي، لا أن تصل إلى الكمال.”

ليس المطلوب أن تكتب أجمل قصة في العالم، بل أن تكتب قصتك، وتنهيها، وتنتقل إلى التالية. الإبداع عملية مستمرة، وليس لحظة سحرية واحدة تصل فيها إلى الكمال المطلق.

النقد قادم لا محالة، فتقبله مسبقًا

الخوف من النقد يمنع الكثيرين من مشاركة أعمالهم. لكن الحقيقة أن أي شخص يبدع شيئًا جديدًا سيواجه النقد، سواء كان عبقريًا أو فاشلًا. البعض سيحب عملك، والبعض سيكرهه، ولا يمكنك التحكم في ذلك.

تقدم جيلبرت حلاً بسيطًا:

  • افعل ما تحب، لأنك تحبه.
  • انشره، ثم انتقل إلى مشروعك التالي.
  • لا تقرأ كل التعليقات، ولا تحاول إرضاء الجميع.

إذا انتظرت أن يُجمع الناس على إعجابهم بعملك، فأنت تعطيهم السلطة على إبداعك. الإبداع يعني أن تقدم ما لديك بشجاعة، ثم تمضي قدمًا.

الإبداع مغامرة، وليس معركة

ترى جيلبرت أن المبدعين أحيانًا يعاملون الإبداع كمعركة، حيث يحاربون الخوف والنقد والفشل. لكنها تفضّل رؤية الإبداع كمغامرة ممتعة. إذا كنت تستمتع بما تفعل، فلن يكون النقد أو الفشل عائقًا أمامك.

لذلك، تسأل سؤالًا بسيطًا لكنه قوي:

“إذا كنت تعلم أن لا أحد سيرى عملك أبدًا، هل ستستمر في الإبداع؟”

إذا كانت إجابتك نعم، فأنت مبدع حقيقي، لأنك تفعل ذلك من أجل المتعة، لا من أجل التصفيق.

الخلاصة: افعلها، وانتهِ منها، وابدأ من جديد

  • لا تنتظر أن يختفي الخوف، بل تحرك رغم وجوده.
  • لا تسعَ للكمال، بل اسعَ للإنجاز.
  • لا تدع النقد يشلّك، بل اعتبره جزءًا طبيعيًا من الرحلة.
  • والأهم: استمتع بالإبداع، لأنه حقك الطبيعي.

ختامًا – عش إبداعك بطريقتك الخاصة

الإبداع ليس حكرًا على العباقرة، ولا يتطلب إذنًا من أحد. إنه حقك الطبيعي، مثل التنفس، مثل الضحك، مثل أن تحلم. إليزابيث جيلبرت لا تعطيك وصفة سحرية للإبداع، بل تدعوك لتتخلى عن الخوف، تتقبل العيوب، وتستمتع برحلتك الإبداعية دون قيود.

تذكر دائمًا:

  • لا تنتظر الإلهام، بل ابحث عنه في كل شيء حولك.
  • لا تخف من الفشل، فالفشل مجرد خطوة في الطريق.
  • لا تسعَ للكمال، بل لإنجاز ما تحب.
  • ولا تهتم برأي الجميع، لأنك لن تستطيع إرضاءهم كلهم.

الإبداع ليس وجهة، بل رحلة مستمرة. عشها بحرية، استمتع بكل لحظة فيها، ودع عملك يعبر عنك. لأن العالم لا يحتاج إلى نسخة أخرى من أحد، بل يحتاج إلى إبداعك أنت.

Click to rate this post!
[Total: 0 Average: 0]