هل شعرت يومًا أن هناك قواعد خفية تحكم النجاح والفشل، وأن البعض يتقدم بسهولة بينما تتعثر أنت، رغم أنك قد تكون الأكثر كفاءة؟ في كتابه الصادم والعميق “كيف تمسك بزمام القوة” (The 48 Laws of Power)، يكشف لنا المؤرخ والمفكر الاستراتيجي روبرت غرين أن هذا الشعور حقيقي. فالعالم، عبر التاريخ، لم يكن سوى مسرح كبير للعبة القوة، وهي لعبة لها قوانينها الخاصة، قوانين لا أخلاقية، لا تهتم بالخير والشر بقدر ما تهتم بالنتائج.

الفكرة الجوهرية للكتاب هي أن القوة لعبة اجتماعية لها قواعد ثابتة ومستمرة. فهم هذه القواعد وتطبيقها بوعي هو السبيل الوحيد للحماية من تلاعب الآخرين وتحقيق أهدافك.

هذا الملخص لن يقدم لك مجرد قائمة بالقوانين، بل سيغوص في استراتيجياتها الأساسية، عبر مزيج فريد يجمع بين المفهوم العميق والدرس العملي الذي يمكنك تطبيقه بدءًا من اليوم.

إتقان فن الظهور – فالناس يحكمون بما يرون

يعلمنا غرين أن البشر ليسوا كائنات منطقية بحتة؛ بل هم كائنات بصرية وعاطفية تتأثر بشدة بالمظاهر. إنهم يصدرون أحكامًا سريعة بناءً على ما يرونه ويشعرون به، وغالبًا ما تكون هذه الأحكام دائمة. الاعتقاد الساذج بأن العمل الجاد والكفاءة الحقيقية وحدهما كفيلان بالنجاح هو وهم خطير.

الحقيقة هي أن قوتك لا تُقاس بما تفعله في الخفاء، بل بما يُرى ويُقال عنك في العلن. لذلك، فإن التحكم في صورتك العامة هو ساحة المعركة الأولى والأكثر أهمية. هذا المفهوم يتجاوز مجرد ارتداء ملابس أنيقة؛ إنه يتعلق بتصميم هالة من القوة والغموض والثقة حولك.

يجب أن تتعلم كيف تخفي نواياك (القانون 3)، وكيف تبدو دائمًا أكثر هدوءًا وقدرة مما تشعر به، والأهم من ذلك، كيف تتجنب الخطأ القاتل المتمثل في التفوق على أسيادك ورؤسائك (القانون 1)، لأن ذلك يثير لديهم أخطر المشاعر الإنسانية: الغيرة وانعدام الأمان.

القصة التاريخية – درس لا يُنسى

تتجلى هذه الفكرة بشكل مأساوي في قصة نيكولا فوكيه، وزير مالية الملك لويس الرابع عشر في فرنسا. كان فوكيه لامعًا وثريًا، وأراد أن يثبت ولاءه ومكانته للملك الشاب. لذلك، دعا الملك جميع أفراد البلاط الفرنسي بأكمله إلى افتتاح قصره المذهل، “فو-لو-فيكونت”.

كان الحفل أسطوريًا بكل المقاييس؛ قدمت فيه مسرحية جديدة لموليير، وكانت المآدب من إبداع أشهر الطهاة، واختتمت الأمسية بعرض ألعاب نارية لم تشهد فرنسا مثله من قبل. كان هدف فوكيه هو تكريم الملك، لكنه ارتكب خطأً فادحًا: لقد كان الحفل رائعًا “أكثر من اللازم”. لقد أظهر ثروة وذوقًا يفوقان ما يمتلكه الملك نفسه.

شعر لويس الرابع عشر، “ملك الشمس”، بالإهانة العميقة. كيف يجرؤ خادمه على أن يظهر بمظهر أكثر إشراقًا منه؟ لم يكن هذا استعراضًا للولاء، بل كان استعراضًا للقوة والتفوق. في صباح اليوم التالي، أمر الملك باعتقال فوكيه بتهم الفساد. قضى فوكيه بقية حياته في السجن، ليس لأنه سرق، بل لأن بريقه طغى على بريق سيده.

التطبيق العملي – كيف تستخدم هذا القانون؟

الدرس هنا ليس أن تكون غير كفء، بل أن تكون كفؤًا بذكاء استراتيجي.

  • في بيئة العمل: اجعل مديرك يبدو دائمًا هو النجم. عندما تقدم فكرة رائعة، قدمها بطريقة تجعلها تبدو وكأنها امتداد لرؤيته. امنحه الفضل علنًا في الاجتماعات. إن جعله يشعر بالأمان والذكاء هو أسرع طريق لضمان دعمهم لك.
  • في العلاقات الاجتماعية: افهم ديناميكيات الغيرة. عندما تكون مع شخص غير آمن، قلل من استعراض نجاحاتك. بدلاً من ذلك، استمع إليهم وأظهر تقديرًا لإنجازاتهم.
  • إدارة صورتك: كن واعيًا دائمًا لكيفية ظهورك. هل تبدو مسيطرًا أم مرتبكًا؟ هل ملابسك وطريقة حديثك تعكس القوة التي تريدها؟ تذكر، قبل أن يسمع الناس كلماتك، سيرون مظهرك، وسيكونون قد أصدروا حكمهم بالفعل.

الذكاء الاستراتيجي – العب اللعبة الطويلة

العواطف هي سم القوة. الغضب يجعلك متهورًا، والحب يجعلك أعمى، والكبرياء يجعلك غير مرن. يعلمنا غرين أن القوة الحقيقية لا تنبع من ردود الفعل العاطفية الفورية، بل من القدرة على الانفصال العاطفي، والحفاظ على برودة الأعصاب تحت الضغط، والتفكير لعدة خطوات إلى الأمام.

الاستراتيجي الحقيقي لا يفكر في المعركة الحالية فقط، بل في الحرب بأكملها. إنه يتبع القانون 29: “خطط لكل شيء حتى النهاية“. هذا يعني أنك قبل أن تتخذ أي خطوة، يجب أن تكون قد فكرت في جميع العواقب المحتملة، وردود فعل خصومك، والنتيجة النهائية التي تسعى إليها.

هذا الهدوء والمنظور البعيد المدى يمنحك ميزة هائلة على أولئك الذين يتصرفون باندفاع، ويصبحون أهدافًا سهلة للتلاعب والاستفزاز. القوة هي الصبر، هي القدرة على انتظار اللحظة المناسبة للضرب بأقصى تأثير.

القصة التاريخية – درس لا يُنسى

لا يوجد مثال على التخطيط بعيد المدى أفضل من أوتو فون بسمارك، “المستشار الحديدي” الذي وحّد ألمانيا. في منتصف القرن التاسع عشر، كانت “ألمانيا” مجرد مجموعة من الولايات المتنافسة. كان حلم بسمارك هو توحيدها تحت قيادة بروسيا.

لم يكن هذا هدفًا يمكن تحقيقه بالقوة الغاشمة وحدها، بل تطلب عقدًا من التلاعب الدبلوماسي والاستراتيجي. خطته كانت عبارة عن سلسلة من الحروب المحسوبة بدقة. أولاً، تحالف مع النمسا لهزيمة الدنمارك، فقط ليخلق نزاعًا مع النمسا حول الأراضي المحتلة. ثم سحق النمسا في حرب سريعة وحاسمة، لكنه تعامل معها بلين لضمان حيادها في المستقبل.

الخطوة الأخيرة والأكثر دهاءً كانت استفزاز فرنسا. قام بسمارك بتعديل برقية دبلوماسية من الملك البروسي (برقية إمس) لتبدو مهينة للفرنسيين، ونشرها في الصحف. استشاط الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث غضبًا وأعلن الحرب، تمامًا كما خطط بسمارك.

هذا العدوان الفرنسي أشعل الروح القومية في الولايات الألمانية الجنوبية، فتوحدت مع بروسيا لهزيمة فرنسا. وفي النهاية، جرت مراسم إعلان الإمبراطورية الألمانية في قاعة المرايا في فرساي، حيث كان بسمارك يلعب الشطرنج بينما كان خصومه يلعبون الداما، وكل منهم يظن أنه يتصرف بإرادته الحرة.

كيف تستخدم هذا القانون؟

  • عند الاستفزاز: عندما يهينك شخص ما أو يحاول استفزازك، فإن رد الفعل الطبيعي هو الغضب. الاستجابة القوية هي الصمت والهدوء. هذا يحرمهم من الرضا ويجعلك تبدو مسيطرًا. استخدم هذا الوقت للتخطيط لرد محسوب يحقق أهدافك، بدلاً من مجرد إرضاء غرورك.
  • في المفاوضات والعمل: لا تركز فقط على الفوز بالصفقة الحالية. فكر في علاقتك طويلة الأمد مع الطرف الآخر. أحيانًا، التنازل البسيط اليوم يمكن أن يؤدي إلى مكاسب أكبر بكثير في المستقبل.
  • التغلب على العواطف: تدرب على التأمل أو خذ فترة “تهدئة” قبل اتخاذ قرارات مهمة. اسأل نفسك: “هل أتخذ هذا القرار بناءً على المنطق أم على شعور مؤقت؟”.

اقتصاد الكلمات والأفعال – قوة الصمت والغموض

في لعبة القوة، الكلمات ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي أداة للكشف. كلما تحدثت أكثر، زادت احتمالية أن تقول شيئًا أحمق أو تكشف عن معلومات قيمة يمكن استخدامها ضدك.

يوضح القانون الرابع: “قل دائمًا أقل من الضروري“. الصمت والغموض يخلقان هالة من القوة. عندما تكون صامتًا، يبدو أنك أكثر حكمة وعمقًا مما قد تكون عليه في الواقع. الصمت يزعج الناس؛ إنه يخلق فراغًا يشعرون بالحاجة إلى ملئه بالكلام، وغالبًا ما يكشفون عن نواياهم ونقاط ضعفهم في هذه العملية.

الشخص القوي لا يشعر بالحاجة إلى إثبات نفسه من خلال الثرثرة. ثقته تظهر في إيجاز كلامه. الكلام الفضفاض يجعلك تبدو عاديًا وقابلاً للتنبؤ، بينما الغموض يجعلك تبدو وكأنك تمتلك معرفة وقوة لا يمكن قياسها.

القصة التاريخية – درس لا يُنسى

كان الفنان الأمريكي آندي وارهول أستاذًا في استخدام الغموض لتعزيز قوته وتأثيره. خلال ذروة شهرته في الستينيات والسبعينيات، كانت مقابلاته الصحفية محبطة بشكل متعمد. كان يجيب على الأسئلة المعقدة حول فنه وفلسفته بإجابات من كلمة واحدة مثل “نعم” أو “لا” أو عبارته الشهيرة “آه، رائع”.

لم يكن هذا بسبب قلة الذكاء، بل كان استراتيجية متعمدة. من خلال رفضه شرح نفسه، أجبر وارهول العالم – النقاد، الصحفيين، والجمهور – على القيام بالعمل نيابة عنه. لقد أسقطوا نظرياتهم وتفسيراتهم المعقدة على صمته، مما جعله يبدو أكثر عمقًا وغموضًا.

لو كان قد شرح كل شيء بالتفصيل، لكان قد أصبح مجرد فنان آخر له أفكار محددة. لكن بفضل صمته، أصبح لوحة فارغة، أيقونة يمكن للجميع أن يروا فيها ما يريدون، وهذا ما منحه قوة ثقافية هائلة ودائمة.

التطبيق – كيف تستخدم هذا القانون؟

“عندما تحاول إبهار الناس بالكلمات، فكلما زاد كلامك بدا مظهرك عاديًا، وقلّ تحكمك في الموقف.”

هذا الاقتباس هو جوهر القانون. إليك كيفية تطبيقه:

  • في الاجتماعات: بدلاً من القفز للتحدث أولاً، استمع. عندما تتحدث، اجعل كلماتك موجزة ومؤثرة. غالبًا ما يُعطى وزن أكبر للشخص الذي يتحدث نادرًا ولكن بحكمة.
  • في المفاوضات: بعد تقديم عرضك، اصمت. لا تبرره أو تضعفه بالثرثرة. الصمت يضع الضغط على الطرف الآخر للرد. قد يقدمون تنازلات لمجرد كسر التوتر.
  • في القيادة: القائد الذي يتحدث باستمرار يفقد تأثير كلماته. القائد الذي يتحدث بشكل مقتضب وحاسم، يُسمع له باهتمام شديد عندما يتكلم. استخدم الصمت للتأكيد على أهمية ما تقوله.

فهم النفس البشرية – خاطب المصلحة لا العاطفة

من الطبيعي أن نفترض أن الآخرين سيتصرفون بناءً على مبادئ مثل الولاء أو الامتنان أو الصداقة. لكن غرين يقدم نظرة أكثر واقعية وقسوة: الدافع الأساسي والأكثر موثوقية للسلوك البشري هو المصلحة الذاتية.

القانون 13 ينص بوضوح: “عند طلب المساعدة، خاطب المصلحة الذاتية للناس، وليس رحمتهم أو امتنانهم”. إن تذكير الناس بالمساعدات التي قدمتها لهم في الماضي غالبًا ما يثير لديهم الاستياء أو الشعور بالذنب، وهي مشاعر ضعيفة لا تحفز على العمل. بالمثل، فإن التوسل واللجوء إلى الشفقة يجعلك تبدو ضعيفًا ومثيرًا للازدراء.

الطريقة الأكثر فاعلية لإقناع الناس وجعلهم حلفاء لك هي أن تبين لهم بوضوح ما هي الفائدة المباشرة التي ستعود عليهم من مساعدتك. اجعل طلبك يبدو وكأنه فرصة لهم لتحقيق مكسب، وليس عبئًا عليهم.

القصة التاريخية – درس لا يُنسى

في أوج الحرب البيلوبونيسية، وجدت أثينا نفسها في موقف حرج ضد عدوتها اللدودة سبارطة. كانت بحاجة ماسة إلى حلفاء، وخاصة أولئك الذين يمتلكون قوة بحرية. كانت مدينة كورسيرا (كورفو الحديثة) قوة بحرية محايدة ومرغوبة. أرسلت أثينا مبعوثيها لإقناعهم بالانضمام إلى جانبهم.

عندما تحدث المبعوثون الأثينيون أمام مجلس كورسيرا، لم يضيعوا وقتهم في الحديث عن الصداقة القديمة أو القيم المشتركة أو الامتنان. لقد تجاهلوا العواطف تمامًا. بدلاً من ذلك، قدموا حجة استراتيجية باردة. قالوا: “هناك ثلاث قوى بحرية كبرى في اليونان: أثينا، سبارطة، وأنتم. إذا بقيتم على الحياد، فستواجهون القوة المنتصرة بمفردكم لاحقًا. ولكن إذا تحالفتم معنا، فإن أسطولينا مجتمعين سيضمنان لكم الهيمنة والأمان، بغض النظر عن نتيجة الحرب”.

لقد حولوا الطلب من “ساعدونا” إلى “هذه فرصة لكم لتعزيز قوتكم”. هذه الحجة القائمة على المصلحة الذاتية البحتة كانت مقنعة للغاية، وانضمت كورسيرا إلى أثينا.

كيف تستخدم هذا القانون؟

  • عند طلب ترقية: بدلاً من القول، “أنا أستحق هذه الترقية لأنني عملت بجد”، جرب هذا النهج: “من خلال منحي هذه المسؤوليات الإضافية، سأتمكن من زيادة أرباح القسم بنسبة X%” أو “سأتمكن من تدريب الفريق الجديد، مما سيوفر وقتكم للتركيز على الصفقات الأكبر”.
  • في المبيعات والتسويق: لا تتحدث عن ميزات منتجك، بل عن الفوائد التي سيحصل عليها العميل. كيف سيوفر منتجك وقته أو ماله؟ كيف سيجعله يبدو أفضل أو يشعر بأمان أكبر؟
  • في بناء التحالفات: قبل أن تطلب من شخص ما الدخول في شراكة معك، قم بواجبك. افهم أهدافه وتحدياته. ثم صغ طلبك بطريقة تظهر كيف أن الشراكة معك هي الحل لمشكلته أو الطريق الأسرع لتحقيق هدفه.

قوة السمعة – أثمن أصولك

سمعتك هي وجهك في العالم، وهي غالبًا ما تصل إلى الأماكن قبل أن تصل أنت. إنها القوة غير المرئية التي تحدد كيف سيتعامل معك الناس.

القانون الخامس يؤكد: “الكثير يعتمد على السمعة – فاحرسها بحياتك“. السمعة الجيدة يمكن أن تفعل نصف عملك نيابة عنك؛ فهي تخلق توقعات وتؤثر على الأحكام. سمعة بالكفاءة ستجعل الناس يثقون بك. سمعة بالنزاهة ستجذب الحلفاء. وحتى سمعة بالقسوة المحسوبة يمكن أن تردع الأعداء وتمنع الهجمات قبل أن تبدأ.

السمعة هي شكل من أشكال رأس المال الاجتماعي، ويمكن أن تكون أكثر قيمة من المال. بمجرد بنائها، تعمل كدرع واقٍ وهالة من القوة. ولكنها أيضًا هشة. هجوم واحد ناجح على سمعتك يمكن أن يدمر سنوات من العمل الشاق. لذلك، يجب أن تكون استباقيًا في بنائها ويقظًا في الدفاع عنها.

القصة التاريخية – درس لا يُنسى

تعتبر قصة الجنرال الصيني العظيم جوكيه ليانغ من فترة الممالك الثلاث مثالًا ساطعًا على قوة السمعة وحدها. في إحدى المرات، كان ليانغ في مدينة صغيرة مع مجموعة صغيرة فقط من الجنود عندما علم أن جيشًا ضخمًا بقيادة منافسه اللدود، سيما يي، يتقدم نحوهم. كان الهروب مستحيلاً، والمقاومة انتحارًا.

كان جنوده في حالة من الذعر. لكن ليانغ، الذي بنى سمعة لا مثيل لها كمخطط استراتيجي بارع وخبير في الخداع، لجأ إلى خدعة نفسية جريئة. أمر جنوده بإخفاء أنفسهم، وفتح أبواب المدينة على مصراعيها، وجلس هو بنفسه على قمة سور المدينة، يعزف على آلته الموسيقية بهدوء تام.

عندما وصل جيش سيما يي ورأى هذا المشهد الغريب – مدينة مفتوحة وقائدها يعزف الموسيقى – توقف في حيرة. كان سيما يي يعرف ليانغ جيدًا. لقد عرف أن ليانغ لم يكن أبدًا متهورًا. استنتج أن هذا الهدوء الظاهري لا بد أنه يخفي كمينًا هائلاً. خوفًا من الوقوع في فخ، أمر جيشه الضخم بالانسحاب الفوري. لم ينقذ ليانغ جيشه بسيف أو رمح، بل بقوة سمعته وحدها.

كيف تستخدم هذا القانون؟

“السمعة هي حجر الزاوية في صرح القوة. فبالسمعة وحدها يمكنك أن ترهب وتنتصر، ولكن ما إن تتصدع حتى تصبح عرضة للهجوم من كل جانب.”

  • بناء السمعة: حدد السمة التي تريد أن تُعرف بها (مثلاً: الموثوقية، الإبداع، الحسم). ثم، قم بأفعال مرئية ومتسقة تعزز هذه السمة. تطوع للمشاريع الصعبة التي تظهر كفاءتك.
  • الدفاع عن السمعة: إذا تعرضت سمعتك للهجوم، لا تتجاهل الأمر. تعامل معه بسرعة وحسم. يمكنك استخدام الفكاهة أو التجاهل المتعالي لتبديد الشائعات التافهة. بالنسبة للاتهامات الخطيرة، واجهها بالحقائق والأدلة.
  • استغلال سمعة الآخرين: يمكنك أيضًا استخدام سمعة الآخرين لصالحك. اربط نفسك بالأشخاص ذوي السمعة الطيبة (القانون 25). وفي المقابل، هاجم سمعة خصمك (وليس الشخص نفسه) للعثور على ثغرة في درعه.

قوة انعدام الشكل – كن كالماء

في عالم متغير باستمرار، فإن الصلابة والتشبث بشكل واحد هما وصفة للفشل. القانون 48، وهو القانون الأخير والأكثر عمقًا، ينصحنا بأن “نتخذ شكل انعدام الشكل“. الماء هو الاستعارة المثلى هنا؛ فهو يتكيف مع أي وعاء يوضع فيه، ومع ذلك يمكنه اختراق أقسى الصخور.

القوة الحقيقية لا تكمن في امتلاك خطة ثابتة أو هوية جامدة، بل في القدرة على التكيف والمرونة والسيولة. الخصم الذي يمكن التنبؤ بأفعاله هو خصم يسهل هزيمته. أما الخصم الذي يغير تكتيكاته باستمرار، ويتكيف مع الظروف المتغيرة، ويظل غامضًا، فهو خصم لا يمكن استهدافه بفعالية.

انعدام الشكل يجعلك لا تقهر لأن خصومك لا يعرفون أبدًا ما هي خطوتك التالية، مما يجبرهم على البقاء في حالة من الدفاع والتخمين، بينما تحتفظ أنت بزمام المبادرة. هذا المفهوم ينطبق على كل شيء، من استراتيجيات الحرب إلى مسارات الحياة المهنية.

القصة التاريخية – درس لا يُنسى

تعتبر استراتيجية حرب العصابات التي اتبعها ماو تسي تونغ خلال الحرب الأهلية الصينية تجسيدًا حيًا لقوة انعدام الشكل. كان جيشه الشيوعي أصغر حجمًا وأسوأ تجهيزًا بكثير من الجيش القومي المنظم الذي يقوده شيانج كاي شيك.

لو حاول ماو خوض معارك تقليدية ومواجهات مباشرة، لكان قد تم سحقه بسرعة. بدلاً من ذلك، تبنى استراتيجية مرنة تمامًا، لخصها في مبدئه الشهير: “العدو يتقدم، نحن ننسحب؛ العدو يخيم، نحن نضايقه؛ العدو يتعب، نحن نهاجم؛ العدو ينسحب، نحن نطارد”.

لم يكن لجيشه مركز ثابت أو خط جبهة واضح. كانوا يتنقلون في الريف، ويضربون نقاط الضعف، ويختفون قبل أن يتمكن العدو من الرد. لقد حولوا حجم الجيش القومي وقوته إلى عيب، مما جعله بطيئًا وغير فعال. كان الجيش القومي يحارب شبحًا، هدفًا لا يمكن تثبيته، بينما كان جيش ماو يتكيف ويتغير باستمرار، مما أدى إلى إرهاق واستنزاف عدوه حتى انهار في النهاية.

كيف تستخدم هذا القانون؟

  • في حياتك المهنية: لا تعرف نفسك بوظيفة واحدة أو مهارة واحدة. كن متعلمًا دائمًا. اكتسب مهارات في مجالات متعددة. هذا يجعلك قادرًا على التكيف مع التغيرات في سوق العمل ويفتح لك فرصًا غير متوقعة. لا تتبع مسارًا وظيفيًا خطيًا صارمًا إذا ظهرت فرصة أفضل في اتجاه مختلف.
  • في الأعمال والاستراتيجية: لا تقع في حب منتجك أو نموذج عملك الأول. كن مستعدًا للتغيير والتطور بناءً على بيانات السوق وسلوك المستهلك. شركات مثل أمازون بدأت كبائع كتب على الإنترنت، لكنها تكيفت لتصبح “متجر كل شيء”، ثم شركة حوسبة سحابية، لأنها لم تلتزم بشكل ثابت.
  • في التفكير: تجنب العقائد الجامدة والتحيزات. كن منفتحًا على الأفكار الجديدة وتحدي افتراضاتك الخاصة. الشخص المرن فكريًا يمكنه رؤية الفرص حيث يرى الآخرون العقبات.

في الختام – دعوة لرؤية العالم كما هو

إن قوانين القوة التي يستعرضها روبرت غرين ليست دعوة للشر أو الخداع، بل هي دعوة للواقعية. من خلال إتقان فن الظهور، والتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، واستخدام الصمت كسلاح، وفهم دوافع النفس البشرية، وبناء سمعة لا تُقهر، والتحلي بمرونة الماء التي لا تُقهر، فإنك لا تسعى للسيطرة على الآخرين بقدر ما تسعى للسيطرة على مصيرك.

في النهاية، القوة بحد ذاتها ليست خيرًا أو شرًا؛ إنها أداة، مثل النار التي يمكن أن تدفئ أو تحرق. يمكنك أن تختار تجاهل هذه اللعبة، وأن تأمل في أن يعاملك العالم بلطف وعدل، ولكن التاريخ يخبرنا قصة مختلفة. الخيار الآخر هو أن تفهم قواعدها، وأن ترى العالم بعيون استراتيجية، لا لتكون متلاعبًا، بل لتضمن ألا تكون أبدًا ضحية للتلاعب مرة أخرى.

Click to rate this post!
[Total: 0 Average: 0]