حينما تتلاشى الأوهام

هل تساءلت يومًا لماذا تبدو كتب الإدارة التقليدية وكأنها تصف عالماً مثالياً لا وجود له؟ عالمٌ تكون فيه الاستراتيجيات واضحة، والموظفون سعداء، والخط البياني للأرباح يتجه دائماً للأعلى؟ الحقيقة الصادمة هي أن معظم هذه الكتب تُكتب لتعليمك “كيف تنجح”، لكنها نادراً ما تخبرك “كيف تنجو” عندما ينهار كل شيء فوق رأسك.

في هذا الكتاب الشيء الصعب في الأشياء الصعبة، لا يقدم لنا بن هورويتز، أحد أشهر المستثمرين ورواد الأعمال في وادي السيليكون، وصفة سحرية للنجاح. بل يفتح لنا باب الطوارئ الخلفي ليُرينا الجانب المظلم والمربك من ريادة الأعمال. الفكرة الجوهرية هنا بسيطة ولكنها قاسية: لا توجد معادلة سرية للتعامل مع الفوضى؛ هناك فقط القدرة على اتخاذ قرارات مؤلمة للغاية بذهن صافٍ في وقت لا تملك فيه أي ضمانات.

هذا الملخص ليس دليلاً لبناء شركة، بل هو دليل “لكيفية عدم الموت” وأنت تحاول ذلك.

الكفاح – الجانب المظلم الذي لا يخبرك به أحد

يبدأ هورويتز كتابه بتهشيم الصورة الوردية لريادة الأعمال عبر تعريف مفهوم “الكفاح”. الكفاح ليس مجرد “يوم سيء” في العمل، ولا هو نتيجة لسوء الإدارة بالضرورة. إنه حالة وجودية تمر بها كل شركة ناشئة تطمح لتغيير العالم.

إحصائياً ومنطقياً، عندما تحاول خلق شيء من العدم، ستواجه لحظات تتآمر فيها ظروف السوق، والمنافسة، والمشاكل الداخلية ضدك في وقت واحد. في هذه المرحلة، تتلاشى أحلام الثراء وتُستبدل بالذعر الخالص. يصبح السؤال المسيطر ليس “كيف ننمو ونزدهر؟” بل “هل سنتمكن من دفع الرواتب الشهر القادم؟”.

يشير هورويتز إلى أن “الكفاح” هو المكان الذي يختبر فيه معدن القائد الحقيقي؛ فالكل يمكنه القيادة عندما تكون الرياح مواتية، لكن العظمة تظهر فقط عندما تكون السفينة تغرق.

“الشيء الصعب ليس وضع هدف كبير وجريء. الشيء الصعب هو تسريح الناس عندما تفشل في تحقيق ذلك الهدف الكبير.”

يلخص هذا الاقتباس الفجوة الهائلة بين “رومانسية التخطيط” على الورق، وبين “واقع التنفيذ المؤلم”. الأحلام مجانية، لكن ثمن الفشل يُدفع من أرزاق الناس ومشاعرهم، وهذا هو العبء الحقيقي للقائد.

رقصة الموت لشركة Loudcloud (قصة الداعمة)

لترسيخ هذا المفهوم، يسرد هورويتز قصته الشخصية المرعبة مع شركته “Loudcloud”. تخيل أن تؤسس شركة وسط ضجة إعلامية هائلة، وتجمع ملايين الدولارات، ثم فجأة تنفجر فقاعة الدوت كوم في عام 2000. وجد هورويتز نفسه في موقف لا يُحسد عليه: عملاؤه من الشركات الناشئة يفلسون الواحد تلو الآخر، والمستثمرون يهربون من السوق وكأنهم يهربون من الطاعون.

في خطوة يائسة للبقاء على قيد الحياة، قرر هورويتز طرح الشركة للاكتتاب العام (IPO). كان توقيتاً انتحارياً، حيث كانت الأسواق تنهار، لكنه كان الخيار الوحيد لتوفير السيولة. نجح الاكتتاب بصعوبة، لكن المعاناة لم تنتهِ. انهار سعر السهم لاحقاً من 6 دولارات إلى 0.35 دولار، وأصبح هورويتز أضحوكة المحللين الماليين والصحافة.

وسط هذا الجحيم، اتخذ قراراً رآه الجميع “مجنوناً”: بيع جوهر الشركة (قطاع خدمات الاستضافة المربح) والتحول لشركة برمجيات غير مثبتة تدعى “Opsware”. كانت احتمالات النجاة شبه معدومة، والموظفون في حالة صدمة، لكنه رفض الاستسلام للمنطق السائد الذي يقول “استسلم وأغلق الشركة”، وقاتل لسنوات في الخنادق حتى باع الشركة في النهاية لـ HP مقابل 1.6 مليار دولار.

الأثر – كيف تنجو؟

الدرس العملي هنا حاسم: عندما تجد نفسك في “الكفاح”، لا تضيع وقتك في لوم نفسك أو البحث عن “رصاصة فضية” تحل كل شيء.

  1. لا تتحمل العبء وحدك: شارك بعض الحقائق مع فريقك (دون نشر الذعر)، فالعقول المجتمعة أذكى من عقل واحد.
  2. التركيز الفوري: انسَ ما كان يجب أن تفعله في الماضي. ركز كل طاقتك على “النقلة التالية” المتاحة على رقعة الشطرنج، مهما كانت صغيرة.
  3. تقبل الألم: لا توجد طريقة للخروج إلا عبر الدخول في عمق المشكلة ومواجهتها. الهروب ليس خياراً.

مدير وقت السلم مقابل مدير وقت الحرب

في هذا القسم، يفكك هورويتز واحدة من أكبر الخرافات في عالم الأعمال: فكرة أن هناك “أسلوب قيادة مثالي” صالح لكل زمان ومكان. الحقيقة هي أن الإدارة تعتمد كلياً على السياق. يصنف هورويتز المدراء إلى نوعين بناءً على حالة الشركة:

  • مدير وقت السلم: يقود الشركة عندما يكون السوق منتعشاً، ولدى الشركة ميزة تنافسية قوية، والنمو يتصاعد.
  • مدير وقت الحرب: يتولى القيادة عندما تواجه الشركة تهديداً وجودياً وشيكاً (منافس شرس، تغير في السوق، نفاذ السيولة).

استعارة العراب (The Godfather)

يستخدم المؤلف استعارة سينمائية عبقرية لتوضيح الفكرة، مقتبساً من فيلم “العراب”.

في بداية القصة، كان “دون فيتو كورليوني” هو النموذج المثالي لمدير وقت السلم. كان رجلاً محترماً، يبني التحالفات بهدوء، ويحل المشاكل عبر الحوار والعلاقات، وكان هذا ما تحتاجه العائلة في وقت الاستقرار.

ولكن، عندما تعرضت العائلة للخطر وبدأت حرب العصابات، لم يعد أسلوب فيتو يجدي نفعاً. كان لا بد من صعود ابنه “مايكل كورليوني”، تجسيد مدير وقت الحرب. كان مايكل مضطراً لتصفية الخصوم بدم بارد، واتخاذ قرارات قاسية وفورية، وكسر القواعد الدبلوماسية لإنقاذ العائلة من الفناء.

الفكرة العميقة هنا هي أن نفس الشخص نادراً ما يجيد الدورين، ولكن المدير التنفيذي العظيم يجب أن يمتلك المرونة العقلية للتحول بين الشخصيتين حسب الظرف.

“مدير وقت السلم يعلم أن البروتوكول الصحيح يؤدي إلى النجاح. مدير وقت الحرب ينتهك البروتوكول من أجل الفوز.”

هذا الاقتباس ينسف فكرة القواعد الثابتة. في الأزمات الوجودية، الالتزام بالروتين والبيروقراطية قد يكون تذكرة الموت للشركة. الفوز (البقاء) يبرر كسر القواعد الداخلية والقرارات الفردية.

الأثر – كن ما تحتاجه الشركة

عليك كقائد أن تقوم بتشخيص وضع شركتك بصدق وحشية: هل أنت في سلم أم حرب؟

  • إذا كنت في حرب وتتصرف بلطف، وتستمع لكل الآراء، وتتأخر في اتخاذ القرارات بحثاً عن الإجماع، ستموت مؤسستك.
  • إذا كنت في سلم وتتصرف كدكتاتور مصاب بجنون العظمة، ستخلق بيئة سامة وتفقد أفضل موظفيك.

الدرس هو: تكيف أو مت. كن المدير الذي يتطلبه الظرف، وليس المدير الذي ترتاح لأن تكونه. قد يصفك الناس بالقسوة في وقت الحرب، لكنهم سيشكرونك لاحقاً لأنك أنقذت السفينة من الغرق.

إدارة الجحيم الداخلي – نفسية القائد

ينتقل الكتاب هنا إلى المنطقة الأكثر صعوبة: ما يدور داخل رأس المدير التنفيذي. يصف هورويتز منصب الرئيس التنفيذي بأنه المكان الأكثر وحدة في الشركة.

تكمن المعضلة في “تناقض التواصل”: إذا ساءت الأمور، لا يمكنك مشاركة كل مخاوفك مع الموظفين لأنهم سيفقدون الثقة ويفزعون، ولا يمكنك مشاركتها بالكامل مع مجلس الإدارة أو المستثمرين لأنهم قد يقررون استبدالك.

هذا الضغط الهائل يولد ما يسميه “الرعب النفسي“. العقل البشري تحت الضغط يميل للتركيز على السلبيات، مما يؤدي إلى قرارات عاطفية خاطئة نابعة من الخوف بدلاً من المنطق. المعركة الأشرس لا تدور في السوق ضد المنافسين، بل تدور داخل عقل المدير للسيطرة على أعصابه.

الاستيقاظ في الظلام

بصراحة نادرة وتواضع شديد، يروي هورويتز تفاصيل معاناته الشخصية. يصف كيف كان يستيقظ مراراً في منتصف الليل غارقاً في عرقه البارد، يحدق في السقف وهو يشعر بتقلصات في معدته. كان يشعر أنه “الدجال” الوحيد الذي لا يعرف ماذا يفعل، بينما يعتقد أن باقي المدراء التنفيذيين في العالم يعرفون بالضبط كيفية إدارة شركاتهم.

كان يعتقد أن هناك “سراً” يجهله. ولكن بعد التحدث مع مئات المدراء، اكتشف الحقيقة المحررة: الجميع خائف، والجميع يعاني، والجميع يشعر أنه لا يعرف ماذا يفعل في الأوقات الصعبة. الفرق الوحيد هو أن القادة الناجحين لا يسمحون لهذا الشعور بشل حركتهم. يذكر قصة طريفة ومؤلمة حين سأل صديقه المؤسس: “كيف تنام كطفل وأنت مفلس؟” فأجابه: “نعم، أنام كطفل.. أستيقظ كل ساعتين وأبدأ في البكاء!”.

“أنفق صفراً من الوقت على ما كان بإمكانك فعله، وكرس كل وقتك لما قد تفعله الآن.”

شرح الاقتباس: هذه نصيحة ذهبية للصحة النفسية واتخاذ القرار. الندم واجترار الماضي هو “ترف” لا يملكه القائد في وقت الأزمات. التركيز على الماضي يسرق الطاقة العقلية اللازمة للنجاة في الحاضر.

تقنيات البقاء العقلي

لا تدع عقلك يخدعك بأنك الوحيد الذي يعاني أو أنك فاشل لأنك خائف. إليك خطوات عملية:

  1. الكتابة: فرّغ مخاوفك ومشاكلك المعقدة على الورق. الكتابة تحول المخاوف من “أشباح غامضة ومخيفة” إلى “مشاكل منطقية محددة” يمكن التعامل معها.
  2. شبكة الأقران: ابنِ علاقات مع مدراء تنفيذيين آخرين. هم الوحيدون الذين سيفهمون لغتك ومعاناتك دون حكم مسبق، ويمكنهم تقديم منظور خارجي يهدئ من روعك.
  3. التركيز: درب عقلك على تجاهل “ما ضاع” والتركيز فقط على “ما تبقى” وكيفية استغلاله.

الثالوث المقدس – الناس، المنتج، الأرباح

في خضم الفوضى وضغط المستثمرين، يميل الكثير من المدراء للتركيز المهووس على الأرقام المالية (الأرباح) لإرضاء “وول ستريت”. يتدخل هورويتز هنا ليصحح البوصلة، واضعاً فلسفته الأساسية في ترتيب الأولويات لبناء شركة عظيمة: الناس أولاً، ثم المنتج، ثم الأرباح.

المنطق خلف هذا الترتيب بسيط ولكنه عميق: أنت لا تبني المنتج بنفسك، ولا تجني الأرباح بنفسك. الموظفون (الناس) هم من يبنون المنتج. إذا اعتنيت بالبيئة التي يعملون فيها، ووفرت لهم الأدوات والتدريب والثقافة الصحيحة، سيبنون منتجاً رائعاً. والمنتج الرائع هو الذي سيجلب الأرباح كنتيجة حتمية. قلب هذه المعادلة (التركيز على الربح قبل الناس) هو بداية انهيار الثقافة والمؤسسة.

لماذا يجب عليك التدريب؟

يخصص هورويتز جزءاً كبيراً من هذا المبدأ للحديث عن “التدريب الوظيفي”. في الشركات الناشئة سريعة النمو، يسود اعتقاد بأن “ليس لدينا وقت للتدريب، نحتاج لموظفين جاهزين للعمل فوراً”. يرفض هورويتز هذه الفكرة تماماً ويعتبرها كسلاً إدارياً.

يروي كيف كان يفرض على أفضل مدرائه، بل وعلى نفسه شخصياً، التفرغ لكتابة مواد التدريب وتدريسها للموظفين الجدد. لم يترك هذه المهمة لقسم الموارد البشرية.

منطقه الحسابي كان مقنعاً: إذا استثمر المدير 10 ساعات في إعداد دورة تدريبية لموظفيه، فإنه سيرفع إنتاجيتهم بنسبة 1% أو 5% للسنة القادمة كاملة. هذا يعني مئات الساعات من الإنتاجية المكتسبة مقابل استثمار صغير في الوقت. يروي كيف أن الموظفين الذين لا يتلقون تدريباً جيداً من مديريهم لا يفشلون فقط، بل يصبحون مصدراً للقرارات السيئة التي تكلف الشركة غالياً.

الأثر – الاستثمار في البشر

  1. درب فريقك بنفسك: لا تتوقع أن يعرف الموظفون معايير الجودة الخاصة بك بالتخاطر. علمهم كيف يفكرون مثلك.
  2. الشفافية: العناية بالناس لا تعني تدليلهم، بل تعني احترام عقولهم. كن شفافاً معهم حتى في الأوقات السيئة؛ فالموظفون الأذكياء يفضلون الحقيقة المرة التي تساعدهم على فهم الموقف، على الكذبة المريحة التي تشعرهم بالأمان الزائف.
  3. الولاء: عندما تضع “الناس” أولاً عبر الاستثمار في نموهم، فإنك تبني ولاءً لا يمكن شراؤه بالمال، وهو ما ستحتاجه بشدة عندما تدخل الشركة في “وقت الحرب”.

فن البتر والترميم – الطرد والتوظيف

أقسى الحقائق التي يواجهها القارئ في هذا الكتاب هي أن الشركة كائن حي يتغير باستمرار. المدير التنفيذي الذي كان بطلاً ومناسباً جداً في مرحلة التأسيس (عندما كانت الشركة 10 موظفين)، قد يصبح عائقاً كارثياً في مرحلة التوسع (عندما تصبح 500 موظف).

يؤكد هورويتز أن “الطرد” ليس دائماً عقاباً على سوء الأداء، بل هو غالباً “مواءمة” ضرورية بين مهارات الشخص واحتياجات الشركة الجديدة. ولأن الشركات الناشئة غالباً ما تبدأ كمجموعات من الأصدقاء، فإن قرار الطرد يكون مؤلماً عاطفياً ومربكاً أخلاقياً، لكنه ضروري لبقاء الكيان.

خيانة الصديق لأجل الشركة (قصة الداعمة)

يشاركنا المؤلف لحظة إنسانية موجعة اضطر فيها لطرد صديق مقرب وزميل مخلص ساعده في بناء الشركة من الصفر. لم يرتكب هذا الصديق أي خطأ أخلاقي، ولم يقصر في عمله، لكن مهاراته القيادية لم تعد تتناسب مع حجم الفريق الضخم الذي أصبح تحته.

يصف هورويتز كيف أعد نفسه لهذا اللقاء العصيب. لم يحاول تلطيف الجو بعبارات مبتذلة، ولم يؤجل الموعد، ولم يرسل شخصاً آخر للقيام بالمهمة القذرة. جلس معه وواجهه بالحقيقة: “أنت شخص رائع، وقدمت الكثير، لكن الشركة تغيرت واحتياجاتها تجاوزت خبرتك الحالية”.

الدرس لم يكن في الطرد بحد ذاته، بل في كيفية التنفيذ. كان يعلم أن عيون جميع الموظفين تراقب لترى كيف يُعامل زميلهم السابق. إذا عاملته بقلة احترام، ستفقد ثقة الجميع. وإذا أبقيته مجاملةً، ستفقد الشركة كفاءتها.

الأثر – احفظ الكرامة

  1. السرعة والحسم: عندما تدرك أن شخصاً ما يجب أن يرحل، افعل ذلك فوراً. تأجيل القرار يجعل البيئة سامة ويضر بالشركة وبالشخص نفسه.
  2. الوضوح: كن مباشراً في أسباب الفصل، دون تجريح شخصي.
  3. الكرامة: احفظ كرامة الشخص المغادر. قدم له حزمة تعويض عادلة، وساعده في العثور على فرصة أخرى إن أمكن. تذكر أنك عندما تطرد شخصاً، فأنت ترسل رسالة قوية لمن بقوا حول ثقافة الشركة وقيمها؛ فاجعلها رسالة عدالة واحترام.

لا توجد قواعد في الحب والحرب

يختتم هورويتز فلسفته بفكرة تنسف معظم نظريات الإدارة الأكاديمية. الكتب تدرس “المتوسطات” و”أفضل الممارسات”، لكن الشركات الناشئة الناجحة هي بطبيعتها “حالات شاذة”.

ما ينجح في شركة “جوجل” قد يدمر شركتك الناشئة الصغيرة. يؤكد هورويتز أن القرارات الصعبة غالباً ما تكون خياراً بين “السيء” و”الأسوأ”، ولا يوجد حل مثالي. الاعتماد الأعمى على القواعد الجاهزة قد يقتلك، لأن السياق هو الملك. أحياناً يتطلب الموقف حلولاً تبدو “غير مهنية” أو “مجنونة” بالمعايير التقليدية.

الجمعة الغريبة

يستخدم هورويتز مثالاً عملياً طريفاً وعميقاً لتوضيح كيفية ابتكار حلول خارج الصندوق. واجهت شركتها صراعاً مريراً وشللاً تاماً بين قسمين حيويين: “هندسة المبيعات” و”دعم العملاء”. كل قسم كان يلوم الآخر على المشاكل، وتوقف التواصل، وتحولت الشركة لساحة حرب داخلية.

بدلاً من تعيين مستشار إداري أو عقد ورش عمل للتواصل (الحلول التقليدية)، لجأ هورويتز لفيلم “الجمعة الغريبة”. قام بقرار إداري صادم: تبديل مديري القسمين! أجبر مدير هندسة المبيعات على إدارة دعم العملاء، والعكس صحيح، وبشكل دائم.

كانت خطوة جنونية، لكنها أجبرت كل مدير على “عيش” معاناة القسم الآخر وفهم مشاكله من الداخل. في غضون أسبوع واحد، توقفت الصراعات، وبدأ المدراء في حل المشاكل التي كانوا يشتكون منها سابقاً، لأنهم أصبحوا الآن مسؤولين عنها.

الأثر العملي – ثق بحدسك

  1. لا تبحث عن الحل في الكتب: عندما تواجه مشكلة معقدة وجديدة، لا تسأل “ماذا تفعل الشركات الأخرى؟”، بل اسأل “ما الذي يحتاجه هذا الموقف المحدد؟”.
  2. ثق بحدسك: حدسك كمدير تنفيذي هو نتيجة تراكم خبرات وأنماط لا شعورية. إذا شعرت أن قراراً ما صحيح رغم أنه يخالف القواعد، اتبعه.
  3. الإبداع التنظيمي: الإبداع لا يقتصر على التكنولوجيا والمنتجات، بل يشمل ابتكار طرق جديدة وغير تقليدية لإدارة الناس وحل النزاعات. كن مستعداً لكسر القواعد إذا كان ذلك يخدم الهدف الأسمى: بقاء الشركة ونجاحها.

في الختام – احتضان المعاناة

في النهاية، يتركنا كتاب “الشيء الصعب في الأشياء الصعبة” بدرس بليغ: القيادة ليست رحلة للبحث عن المجد، بل هي ترويض مستمر للفوضى. لقد تعلمنا أن “الكفاح” حتمي، وأن سيكولوجية القائد هي مفتاح النجاة، وأن الترتيب الصحيح هو الناس قبل الأرباح، وأن القرارات القاسية تتطلب شجاعة أكثر من الذكاء.

رسالة بن هورويتز الأخيرة لك هي: لا تتمنَّ أن تكون الأمور أسهل، بل تمنَّ أن تكون أنت أفضل. عندما تواجه الجدار المسدود، وتظن أن كل شيء قد انتهى، تذكر أن تلك اللحظة بالتحديد هي التي تفصل بين المدير التنفيذي العادي وبين القائد الاستثنائي. تلك هي اللحظة التي يُصنع فيها مستقبلك.

Click to rate this post!
[Total: 0 Average: 0]