هل سبق لك أن شعرت بالإحباط في اجتماع عمل لأن أحدهم يطالب بالنتائج فورًا بينما أنت تحاول بناء علاقة مع الفريق؟ أو تساءلت لماذا يبدو صديقك المقرب مترددًا دائمًا في اتخاذ أي قرار بينما أنت مندفع نحو المغامرة؟ في كتابه الثاقب “مُحاط بالحمقى“، يكشف خبير السلوك السويدي توماس إريكسون أن هذه الصراعات اليومية ليست دليلًا على غباء الآخرين، بل هي نتيجة طبيعية لاختلاف “لغاتنا” السلوكية.

يقدم الكتاب فكرته الجوهرية ببراعة: معظم سوء الفهم ينبع من أننا نتحدث بأنماط سلوكية مختلفة تمامًا.

هذا الملخص لن يقدم لك مجرد نظرة عامة، بل سيمنحك خريطة عملية لفهم هذه الأنماط الأربعة – الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق – ويزودك بالمفتاح الذهبي للتكيف معها، محولاً بذلك علاقاتك المهنية والشخصية من صراع إلى انسجام.

اللون الأحمر – القوة المهيمنة والتركيز على النتائج

الشخصية الحمراء هي القوة الدافعة في أي مجموعة، وهي النموذج الأصلي للقائد الذي تحركه المهام والأهداف. يتميز أصحاب هذا اللون بسمات واضحة: الطموح الجامح، والسرعة الفائقة في التفكير والتنفيذ، والحسم الذي لا يتردد في اتخاذ القرارات الصعبة تحت أي ضغط. عالمهم يدور حول محور واحد: الكفاءة.

لذلك، فإنهم يركزون بشكل حصري على “ماذا” يجب تحقيقه، متجاوزين التفاصيل والإجراءات التي يعتبرونها عائقًا أمام الوصول إلى الهدف. إنهم يرون العالم كمجموعة من التحديات التي يجب التغلب عليها، والمنافسة بالنسبة لهم ليست مجرد لعبة، بل هي أسلوب حياة.

محفزاتهم ومخاوفهم الأساسية

ما يحفز الشخص الأحمر هو السيطرة، تحقيق النتائج الملموسة، والفوز. إنهم يزدهرون عندما يكونون في موقع المسؤولية ويمتلكون حرية التصرف. على الجانب الآخر، أكبر مخاوفهم هي فقدان السيطرة، والوقوع في فخ عدم الكفاءة، أو أن يتم استغلالهم.

لهذا السبب، قد يبدون متشككين في البداية، فهم يختبرون قوة من حولهم. قد يراهم الآخرون متسلطين، عدوانيين، أو فاقدي الصبر، لكن من منظورهم، هم ببساطة يحركون الأمور إلى الأمام بأكثر الطرق مباشرة وفعالية.

مشهد “قائد المهمة المستعجل”

تخيل قاعة اجتماعات يسودها جو من الود والنقاشات الجانبية قبل البدء. فجأة، يُفتح الباب بقوة ويدخل المدير الأحمر. لا يلقي التحية بشكل عام، بل تتجه عيناه مباشرة نحو رئيس الفريق.

يمشي بخطى واثقة ويقول بصوت حازم يقطع كل الأحاديث: “حسنًا يا فريق، الوقت ثمين. لننتقل إلى صلب الموضوع فورًا. مشروع إطلاق المنتج الجديد، ما هي النتيجة النهائية؟ أريد الخلاصة في ثلاث نقاط واضحة وموجزة على شاشة العرض الآن”.

يشعر الموظف الأصفر بالإحباط لأن فرصته في بناء الحماس قد قُطعت، بينما يشعر الموظف الأخضر بالتوتر من هذه الطاقة العدائية، أما الموظف الأزرق فينزعج لأن المدير لم يطلب الاطلاع على البيانات التفصيلية التي أعدها. بالنسبة للمدير الأحمر، هذا ليس سلوكًا فظًا، بل هو الأداء الأمثل: تحديد المشكلة، طلب الحل، والمضي قدمًا.

مفاتيح التواصل مع الشخصية الحمراء

للتواصل الفعال مع شخصية حمراء، عليك أن تتحدث لغتها وأن تحترم قواعد عالمها. هذا لا يعني أن تكون مثلها، بل أن تفهم ما تقدره.

  • كن مباشرًا وموجزًا: تجنب المقدمات الطويلة، والأحاديث الجانبية، والقصص الشخصية. ادخل في صلب الموضوع مباشرة. استخدم لغة واضحة وقوية.
  • ركز على النتائج: بدلاً من شرح العملية المعقدة التي اتبعتها، اعرض النتائج التي حققتها. تحدث بلغة الأرقام، الأهداف، والمكاسب.
  • قدم لهم خيارات: يشعر أصحاب اللون الأحمر بالراحة عندما يكونون في موقع السيطرة. بدلاً من إخبارهم بما يجب عليهم فعله، قدم لهم خيارين أو ثلاثة مدروسة جيدًا ودعهم يختارون.
  • لا تأخذ الأمر على محمل شخصي: صراحتهم وحدتهم ليست هجومًا شخصيًا عليك، بل هي انعكاس لتركيزهم الشديد على المهمة. تعلم أن تفصل بين أسلوبهم وبين نيتهم في تحقيق النجاح.

اللون الأصفر – شرارة الإلهام والعلاقات الاجتماعية

الشخصية الصفراء هي الشمس في أي نظام شمسي اجتماعي؛ مركز الطاقة الإيجابية والإلهام. هؤلاء الأفراد متفائلون بالفطرة، مبدعون، ويتمتعون بكاريزما تجذب الناس إليهم بشكل طبيعي.

يزدهرون على التفاعل البشري، ويستمدون طاقتهم من النقاشات المفتوحة، والعلاقات الودية، والتقدير العلني. عالمهم يدور حول “من” يشاركونهم الرحلة، وليس بالضرورة “ماذا” يفعلون. قدرتهم الاستثنائية على رواية القصص، وبناء الشبكات، وإلهام الآخرين تجعلهم مؤثرين وقادة بالفطرة، ولكن من منظور مختلف عن اللون الأحمر.

محفزاتهم ومخاوفهم الأساسية

الدافع الأكبر للشخصية الصفراء هو الاعتراف، الشعبية، والحرية في التعبير عن الذات. إنهم يحبون أن يكونوا مركز الاهتمام وأن يشعروا بأن أفكارهم مسموعة ومقدرة.

في المقابل، أكبر مخاوفهم هي العزلة الاجتماعية، الروتين القاتل، أو أن يتم تجاهلهم وتقييدهم بالقواعد والتفاصيل الدقيقة. قد يراهم الآخرون غير منظمين، كثيري الكلام، أو يفتقرون إلى القدرة على المتابعة، لكن هذا ينبع من أن عقولهم تنتقل بسرعة البرق بين الأفكار الجديدة والمثيرة.

استعارة “الفراشة الاجتماعية في ورشة عمل”

تخيل ورشة عمل للعصف الذهني. الشخص الأصفر هو الذي يقف أمام السبورة البيضاء، مفعمًا بالحياة، ويرمي الأفكار كالألعاب النارية. “ماذا لو قمنا بإنشاء تطبيق يربط بين…؟” “لدي فكرة لحملة تسويقية ستغير قواعد اللعبة!”، يقول بحماس وهو يرسم خرائط ذهنية ويستخدم ألوانًا مختلفة. ينتقل بين المجموعات الصغيرة، يشجع الجميع، ويجعل الأجواء ممتعة ومحفزة.

إنه يولد عشرات المفاهيم الرائعة في ساعة واحدة. ولكن عندما تنتهي الجلسة ويأتي وقت تحويل هذه الأفكار إلى خطة عمل مفصلة مع جداول زمنية ومسؤوليات محددة، قد تجده قد فقد اهتمامه بالفعل وبدأ يفكر في “الشيء الكبير التالي”.

كيفية التعامل مع الطاقة الصفراء

لكسب قلب وعقل الشخصية الصفراء، يجب أن تتبنى بيئة إيجابية ومنفتحة وتقدر مساهماتها الإبداعية.

  • كن ودودًا واجتماعيًا: ابدأ محادثاتك معهم بسؤال شخصي أو تعليق إيجابي. امنحهم مساحة للتعبير عن أفكارهم وقصصهم قبل الخوض في التفاصيل الجادة.
  • امنحهم التقدير العلني: لا شيء يحفزهم أكثر من الثناء أمام الآخرين. اعترف بإسهاماتهم وأفكارهم المبتكرة في الاجتماعات أو عبر البريد الإلكتروني للفريق.
  • ركز على الرؤية الكبرى: عند عرض مشروع جديد، ابدأ بالصورة الكبيرة والفرص المثيرة بدلاً من إغراقهم بالتفاصيل التقنية والقيود. اجعلهم يشعرون بأنهم جزء من شيء ملهم.
  • ساعدهم في التنظيم: بدلاً من انتقاد افتقارهم للتنظيم، كن شريكًا لهم. يمكنك أن تقول: “هذه فكرة رائعة! دعنا نضع معًا ثلاث خطوات أولى لتحويلها إلى حقيقة”.

اللون الأخضر – عمود الاستقرار والانسجام

الشخصية الخضراء هي القلب الهادئ لأي فريق أو عائلة؛ الغراء الذي يحافظ على تماسك الجميع. يتميز أصحاب هذا اللون بالهدوء الشديد، والصبر الذي لا ينفد، والولاء العميق، والقدرة الاستثنائية على الاستماع بتعاطف. دافعهم الأساسي هو البحث عن الأمان، الاستقرار، والانسجام. إنهم يكرهون الصراعات، ويتجنبون المواجهة، ويشعرون بقلق شديد تجاه التغييرات المفاجئة وغير المخطط لها. عالمهم يدور حول “كيف” تتم الأمور بطريقة تضمن الأمان والراحة للجميع، مع التركيز على العلاقات الإنسانية المتينة والموثوقة.

محفزاتهم ومخاوفهم الأساسية

ما يحفز الشخصية الخضراء هو العمل في بيئة مستقرة ومتوقعة، والشعور بالتقدير كعضو قيم في الفريق، وبناء علاقات طويلة الأمد. إنهم يجدون الرضا في مساعدة الآخرين والتعاون. أكبر مخاوفهم هي التغيير المفاجئ، وعدم اليقين، والصراع المباشر. قد يراهم الآخرون سلبيين، بطيئين في اتخاذ القرار، أو عنيدين في مقاومة الأفكار الجديدة، لكن هذا في الواقع آلية دفاعية لحماية استقرارهم واستقرار من حولهم. وهنا تبرز أهمية مبدأ إريكسون الأساسي:

“التواصل يحدث دائمًا وفقًا لشروط المتلقي، وليس المرسل.”

شرح الاقتباس: هذا المبدأ هو جوهر فهم الشخصية الخضراء. إذا كنت شخصًا أحمر أو أصفر وتحاول فرض تغيير سريع عليهم بأسلوبك الخاص، فستواجه مقاومة شديدة. الرسالة لم تفشل لأنها سيئة، بل لأنك لم تقدمها “بشروط المتلقي” الأخضر، الذي يحتاج إلى الأمان، والوقت، والطمأنينة لمعالجة الفكرة.

سيناريو “صخرة الفريق الموثوقة”

تخيل أن الشركة قررت تطبيق نظام برمجي جديد تمامًا. يشعر الموظف الأحمر بالحماس للكفاءة المحتملة، والأصفر متحمس للميزات الجديدة، والأزرق بدأ بالفعل في تحليل المواصفات. أما الموظف الأخضر، فيشعر بقلق عميق. يفكر: “لكننا مرتاحون مع النظام القديم. هل سأتمكن من تعلم النظام الجديد؟ ماذا لو أثر هذا على علاقتي بزملائي الذين أساعدهم يوميًا؟”.

هو الصديق الذي سيتصل به زملاؤه القلقون ليفرغوا همومهم، فيستمع لهم بصبر لساعات، ويقدم الدعم المعنوي. قد لا يقترح حلولًا جذرية، لكن وجوده الهادئ يطمئن الجميع. إنه لا يقاوم التغيير لأنه يكره التطور، بل لأنه يخشى أن يدمر هذا التغيير الانسجام والاستقرار الذي عمل بجد للحفاظ عليه.

بناء الجسور مع الشخصية الخضراء

التواصل مع الشخصية الخضراء يتطلب الصبر، والصدق، وبناء الثقة الحقيقية.

  • كن صبورًا وداعمًا: تجنب الضغط عليهم لاتخاذ قرارات سريعة. امنحهم الوقت الكافي للتفكير ومعالجة المعلومات. أظهر اهتمامًا حقيقيًا بهم كأشخاص، وليس فقط كزملاء عمل.
  • قدم التغيير تدريجيًا: عند تقديم فكرة جديدة، اشرح “لماذا” هذا التغيير ضروري بهدوء ومنطق. طمئنهم بشأن كيفية تأثيره على دورهم، وأكد لهم أنك ستكون موجودًا لدعمهم خلال المرحلة الانتقالية.
  • اطلب رأيهم، لا تأمرهم: بدلاً من القول “علينا أن نفعل هذا”، جرب “أفكر في تحسين هذه العملية، ما رأيك؟ كيف يمكننا أن نفعل ذلك معًا دون إزعاج الفريق؟”. هذا يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من القرار.
  • خلق بيئة آمنة: تجنب النقد العلني أو المواجهات الحادة. إذا كنت بحاجة إلى تقديم ملاحظات، فافعل ذلك على انفراد وبأسلوب لطيف وبنّاء.

اللون الأزرق – دقة المنطق وبوصلة الحقائق

الشخصية الزرقاء هي العقل المدبر والضامن للجودة في أي منظومة. هؤلاء الأفراد دقيقون إلى أقصى حد، منهجيون في تفكيرهم، وتحليليون في كل خطوة يتخذونها. عالمهم مبني على المنطق، البيانات، والحقائق المجردة.

قبل اتخاذ أي قرار، مهما كان صغيرًا، يحتاجون إلى جمع كل المعلومات المتاحة، فحصها من كل الزوايا، والتأكد من صحتها. دافعهم الأساسي هو تحقيق الجودة والكمال وتجنب الأخطاء. إنهم يركزون بشكل مكثف على “لماذا” يعتبر هذا الخيار هو الأصح والأكثر منطقية بناءً على الأدلة المتاحة.

محفزاتهم ومخاوفهم الأساسية

ما يحفز الشخصية الزرقاء هو التنظيم، الوضوح، والوقت الكافي للتحليل والتخطيط. إنهم يجدون الرضا في إنجاز عمل عالي الجودة وخالٍ من العيوب. أكبر مخاوفهم هي ارتكاب الأخطاء، أو أن يتم انتقاد عملهم على أنه غير دقيق، أو أن يُجبروا على اتخاذ قرارات متسرعة بناءً على مشاعر أو معلومات غير مكتملة.

لهذا السبب، قد يراهم الآخرون باردين، متحفظين، مفرطين في النقد، أو “غارقين في التفاصيل”، لكن من منظورهم، هم ببساطة يقومون بواجبهم لضمان أن كل شيء صحيح ومنطقي.

استعارة “المحقق الذي يبحث عن الأدلة”

تخيل أن فريق التسويق (الذي يغلب عليه اللون الأصفر) يقدم بحماس مقترحًا لحملة إعلانية جديدة. العرض التقديمي مليء بالصور الجذابة والعبارات الرنانة. بعد انتهاء العرض، يسود الصمت للحظة قبل أن يرفع المدير المالي الأزرق يده. يقول بهدوء: “شكرًا لكم. لدي بعض الأسئلة. في الشريحة الخامسة، ذكرتم أننا نتوقع زيادة في المبيعات بنسبة 20%. على أي بيانات تاريخية أو أبحاث سوق بنيتم هذا الرقم بالضبط؟ وما هي خطة الطوارئ إذا لم نحقق سوى 50% من هذا الهدف؟ وهل يمكنكم تزويدي بجدول تفصيلي للتكاليف المتوقعة؟”.

بالنسبة للفريق الأصفر، هذه الأسئلة تبدو وكأنها محاولة لقتل الإبداع. لكن بالنسبة للمدير الأزرق، هذه هي الأسئلة الأساسية والضرورية قبل الموافقة على إنفاق أي أموال. إنه لا يثق في الحماس، بل يثق في البيانات.

كسب ثقة العقل الأزرق

للتواصل بفعالية مع شخصية زرقاء، يجب أن تكون مستعدًا جيدًا، دقيقًا، وأن تحترم حاجتهم للمعلومات والوقت.

  • كن مستعدًا بالحقائق والبيانات: لا تأتِ إليهم بآراء أو أفكار غامضة. جهز ملفًا كاملاً يحتوي على الأرقام، المصادر، والأدلة التي تدعم موقفك. كلما قدمت تفاصيل أكثر، زادت ثقتهم بك.
  • امنحهم الوقت الكافي للتحليل: لا تتوقع منهم قرارات فورية. أرسل لهم المواد مسبقًا وقل: “يرجى مراجعة هذه البيانات، وسنناقشها في اجتماعنا يوم الخميس”. هذا يمنحهم الوقت الذي يحتاجونه للمعالجة.
  • التزم بالمنطق وتجنب العاطفة: الحجج العاطفية مثل “أشعر أن هذه فكرة جيدة” لا قيمة لها بالنسبة لهم. استخدم عبارات مثل “البيانات تشير إلى أن…” أو “منطقيًا، الخطوة التالية هي…”.
  • كن دقيقًا في وعودك: إذا قلت إنك سترسل التقرير الساعة الثالثة، فأرسله الساعة الثالثة. الدقة والموثوقية هما عملة التعامل معهم. أي إخفاق في الالتزام بالتفاصيل يقلل من مصداقيتك في أعينهم.

ما بعد الألوان – فن التكيف والقاعدة البلاتينية

إن اكتشاف لونك السلوكي وألوان من حولك ليس هو الهدف النهائي للكتاب، بل هو مجرد الخطوة الأولى. القوة الحقيقية، والمهارة التي تغير كل شيء، تكمن في القدرة على التكيف: التعديل الواعي لسلوكك وأسلوب تواصلك ليتناسب مع “لغة” الشخص الذي تتحدث معه.

هذا هو الانتقال الجوهري من “القاعدة الذهبية” المعروفة (“عامل الناس كما تحب أن تُعامَل“) إلى ما يسميه إريكسون “القاعدة البلاتينية” الأكثر نضجًا وفعالية: “عامل الآخرين كما يحبون هم أن يُعامَلوا”. هذا المبدأ يعترف بأن ما تقدره أنت قد لا يكون ما يقدره الآخرون، وأن التواصل الفعال يتطلب مرونة وتعاطفًا.

سيناريو “المترجم متعدد اللغات”

تخيل مدير مبيعات أصفر، مفعم بالحيوية، يحاول إقناع رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات الأزرق بتبني نظام إدارة علاقات عملاء جديد. يدخل المدير الأصفر الاجتماع قائلاً: “هذا النظام سيغير حياتنا! تخيل مدى سهولة تواصلنا مع العملاء! فريق المبيعات سيحبه، وسنبني علاقات أقوى!”. يبتسم ويستخدم لغة الجسد المنفتحة.

في المقابل، يجلس المدير الأزرق صامتًا، عاقدًا ذراعيه، ويفكر: “ما هي مواصفاته الأمنية؟ هل يتوافق مع أنظمتنا الحالية؟ ما هو عائد الاستثمار المتوقع خلال ثلاث سنوات؟”. فشل الاجتماع فشلاً ذريعًا ليس لأن النظام سيئ، بل لأن المدير الأصفر كان يتحدث “لغة صفراء” لشخص لا يفهم إلا “اللغة الزرقاء”.

النهج الصحيح كان يتطلب من مدير المبيعات أن يصبح “مترجمًا”. كان عليه أن يبدأ الاجتماع قائلاً: “لقد أعددت تقريرًا من 10 صفحات يوضح بالتفصيل المواصفات الفنية، وتحليل التكاليف، ودراسة حالة من شركة مماثلة توضح زيادة الكفاءة بنسبة 15% خلال ستة أشهر. هل يمكننا مراجعته معًا؟”. هذا النهج كان سيفتح باب الحوار فورًا. وهنا تتجلى الرسالة الأعمق في الكتاب:

“لا، أنت لست محاطًا بالحمقى. أنت ببساطة محاط بأشخاص مختلفين عنك.”

هذا الاقتباس يطلب منا أن نتوقف عن إطلاق أحكام سريعة (“هذا الشخص بطيء”، “هذا الشخص متسلط”) وأن نبدأ في طرح أسئلة تحليلية (“يبدو أن هذا الشخص يغلب عليه اللون الأخضر ويحتاج إلى الطمأنينة”، “هذا الشخص أحمر ويقدر الإيجاز”). هذا التحول من الحكم إلى الفضول هو مفتاح إتقان فن التكيف.

كيف تصبح متكيفًا سلوكيًا

أن تصبح متكيفًا لا يعني أن تتخلى عن شخصيتك، بل أن توسع مجموعة أدواتك للتواصل.

  1. الملاحظة والتشخيص: الخطوة الأولى هي أن تصبح مراقبًا جيدًا للسلوك البشري. في أي تفاعل، حاول تحديد اللون السائد للشخص الآخر. هل هو سريع وحاسم (أحمر)؟ هل هو متحدث ومتحمس (أصفر)؟ هل هو هادئ ومستمع (أخضر)؟ هل هو منطقي ودقيق (أزرق)؟
  2. التعديل الواعي: بمجرد تحديد اللون، قم بإجراء تعديلات طفيفة ولكن مؤثرة على أسلوبك.
    • مع الأحمر: زد من سرعة حديثك، قلل من التفاصيل، وركز على النتيجة النهائية.
    • مع الأصفر: ابتسم أكثر، استخدم لغة جسد منفتحة، وامنحه مساحة للحديث عن أفكاره.
    • مع الأخضر: أبطئ من وتيرتك، استخدم نبرة صوت هادئة، وأظهر اهتمامًا حقيقيًا.
    • مع الأزرق: استند إلى الحقائق، كن منظمًا في عرضك، واستعد للأسئلة التفصيلية.
  3. الممارسة المستمرة: هذه المهارة مثل أي عضلة، تقوى بالتمرين. جربها في المواقف منخفضة المخاطر أولاً، ولاحظ كيف تتغير ديناميكيات تفاعلاتك.

في الختام – من سوء الفهم إلى التفاهم العميق

يقدم لنا كتاب “مُحاط بالحمقى” أكثر من مجرد تصنيف للشخصيات؛ إنه يمنحنا عدسة جديدة نرى بها العالم. من القائد الأحمر الحاسم، إلى المبدع الأصفر الملهم، مرورًا بالداعم الأخضر الموثوق، وانتهاءً بالمفكر الأزرق الدقيق، كل لون له نقاط قوته وضعفه.

الدرس الأسمى هنا ليس في تحديد من نحن، بل في تعلم كيفية التحدث بلغة الجميع.

في المرة القادمة التي تشعر فيها بأنك “محاط بالحمقى”، توقف للحظة واسأل نفسك: “بأي لون يجب أن أتحدث الآن؟”. الإجابة على هذا السؤال قد لا تغير العالم، لكنها … ستغير عالمك وعلاقاتك إلى الأفضل.

Click to rate this post!
[Total: 0 Average: 0]