في عالمنا المعاصر، حيث تتسارع وتيرة الحياة وتزدحم بالأعمال والضغوطات، نجد أنفسنا في كثير من الأحيان نغفل عن صحة أجسادنا. قد نتغافل عن أهمية النوم الجيد، أو نبرر خمولنا بسبب مشاغل الحياة، بل وقد نعتبر الطعام السريع والعادات الصحية السيئة جزءًا من حياتنا اليومية. لكن، هل تعلم أن هذه العادات التي نعتبرها “طبيعية” قد تكون السبب في أكبر الأزمات الصحية التي قد نواجهها؟

في كتاب كيف تتجنب الأمراض القاتلة، يتناول مايكل جريجر موضوعًا بالغ الأهمية: كيف يمكننا الوقاية من الأمراض المزمنة والقاتلة التي تهاجمنا بصمت؟ هذا الكتاب لا يقدم لنا حلولًا معقدة أو علاجات سرية، بل يُحفزنا للعودة إلى أبسط قواعد العناية بالجسم، التي حُرمنا منها في زحمة الحياة الحديثة.

من خلال أسلوب علمي بسيط ورؤى مأخوذة من الواقع، يقدم الكاتب نصائح عملية ومباشرة للوقاية من أخطر الأمراض، بدءًا من الغذاء الصحي، وصولاً إلى أهمية الحركة اليومية والنوم الجيد.

إذا كنت تسعى لتحسين صحتك وعيش حياة أطول وأكثر صحة، فإن هذا الكتاب سيكون بمثابة مرشد لك، يُقدم لك الأدوات اللازمة للتعامل مع جسدك بشكل صحيح قبل أن “تتفاجأ” بأي مرض مفاجئ.

العادات القاتلة – العدو الذي يسكن تفاصيلنا

“الأمراض لا تأتي بغتة، بل تصنعها أيدينا كل يوم ونحن نظن أننا نعيش حياة عادية.” – من اقتباسات الكتاب

منذ بداية هذا القسم، يشير المؤلف إلى أن أغلب الوفيات اليوم لم تعد نتيجة الحروب أو الكوارث، بل بسبب نمط حياتنا ذاته. نحن من نصنع الموت بأيدينا، لكن لا نشعر بذلك، لأن القاتل يتسلل في صمت. الأكل السريع، الجلوس الطويل، السهر المستمر، والإفراط في التوتر… كلها عادات يومية أصبحت مألوفة، لكنها تخبئ خلفها أعاصير صحية مدمّرة.

في أحد الفصول، يروي الكاتب قصة رجل خمسيني، كان يفتخر بجدوله المزدحم، لا ينام أكثر من خمس ساعات، يكتفي بالقهوة والسجائر، ويتناول طعامه غالبًا من المطاعم. فجأة، تعرّض لنوبة قلبية كادت أن تودي بحياته. بعد تعافيه، قال له الطبيب: “كل ما كنت تفعله لم يكن دليلاً على القوة، بل إهمالًا لجسدك حتى خانك.”

وهنا يستدعي الكاتب المثل العربي الشهير: “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، ليؤكد أن ما نحتاجه ليس دواءً غاليًا، بل تغييرًا في نمط العيش. فنحن لا نُفاجَأ بالمرض، بل نُفاجَأ حين نكتشف أننا كنا نمهّد له الطريق بأيدينا.

ينبه المؤلف إلى أن كثيرًا من الناس، خصوصًا في مجتمعاتنا العربية، يربطون الصحة بالقَدَر، متناسين أن الله وهبنا العقل لنُحسن التدبير، والجسد لنصونه، لا لنُهمله حتى يُصبح عبئًا.

يقول الكاتب في تعبيره المؤثر:

“الحياة الصحية ليست رفاهية للأغنياء، بل واجب على كل إنسان يريد أن يعيش بكرامة، دون أن يقضي نصف عمره بين الأدوية والمستشفيات.”

ويختم بنصيحة عملية: كل عادة يومية – مهما بدت صغيرة – لها أثر تراكمي، فإما أن تقرّبك من الصحة… أو من المرض. والخيار دائمًا في يدك..

أكل ذكي – طبقك يحدد مصيرك

“الطعام إما أن يكون دواءً لك… أو بداية لمرض لا تشعر به إلا بعد فوات الأوان.” – من اقتباسات الكتاب

يسلّط المؤلف الضوء على الحقيقة التي يرفض الكثير الاعتراف بها: ما نضعه في أطباقنا كل يوم، يقرّر بنسبة كبيرة ما إذا كنا سنبقى أصحاء أو نصبح من ضحايا أمراض العصر. ليست المسألة مجرد أكل… بل نمط حياة.

يبدأ الكاتب بسرد حالة امرأة عربية، في منتصف الأربعينات، كانت تعاني من سمنة مفرطة، وارتفاع في ضغط الدم، ومقدمات سكري. كانت تقول دائمًا: “العيش والملح ما ينترك.” لكنها لم تكن تدري أن العيش المكرر والملح الزائد هما أصل الداء. بعد أشهر من الالتزام بنظام غذائي متوازن، بعيد عن المقليات والمعلّبات، تحسّنت صحتها بشكل كبير، وتغيّر شكل حياتها. تقول اليوم: ‘أكلتُ لأعيش، لا لأمرض.’

يشير الكتاب إلى أن الأطعمة المعالجة والمصنّعة – تلك التي تملأ رفوف المتاجر وتغري بألوانها الزاهية – ليست طعامًا حقيقيًا. بل هي تركيبات كيميائية تضر جسدك من الداخل. فالزيوت المهدرجة، السكريات المخفية، والمواد الحافظة… كلها قنابل صحية موقوتة.

لذا ،صدق قول:
“إذا أردت أن تعرف حال الرجل، فانظر إلى طعامه.”
فالصحة ليست خيارًا، بل قرار يُتخذ من السوق إلى المائدة.

ثم ينتقل لشرح فكرة “الطبق المتوازن”، مُركزًا على أهمية تناول الأطعمة الطبيعية أكثر:

  • خضروات موسمية
  • حبوب كاملة
  • زيت الزيتون – كنز من كنوز البحر المتوسط
  • المكسرات النيئة
  • القليل من الفواكه الطازجة بدل العصائر المعلّبة
  • والابتعاد ما أمكن عن السكر الأبيض والطحين المكرر

للأسف، اليوم نملك كنوزًا غذائية عظيمة، لكننا – للأسف – ركّزنا على الطعم ونسينا القيمة.
الفول، العدس، الزعتر، الخبز الأسمر، التمر، اللبن، وزيت الزيتون… كلها أطعمة تغذّي ولا تؤذي، بل كانت غذاء أجدادنا الذين عاشوا طويلًا بصحة أفضل مما نراه اليوم.

وينهي الكاتب هذا الفصل بعبارة: “صحّتك تبدأ من طبقك… فلا تملأه بما يملأ المستشفيات.”

سكر سام – سكر زيادة = موت بالبطيء

في هذا الفصل، يفضح المؤلف حقيقة مغفلة عند الكثيرين. حيث يقول، السكر الأبيض، بكل بساطة، هو سمّ العصر. قد يبدو الكلام مبالغًا، لكنه مدعوم بدراسات، وتجارب، وقصص واقعية صادمة. فالمشكلة ليست فقط في قطعة الحلوى، بل في كل ما يُضاف إليه السكر دون أن نراه – من العصائر الجاهزة إلى الصلصات والخبز وحتى “الزبادي”.

يروي الكتاب قصة شاب عربي عشريني، رياضي في مظهره، لا يدخن، ولا يشرب الكحول، لكنه مدمن على المشروبات الغازية والطاقة والحلويات. بعد سنوات قليلة، ظهرت عليه أعراض مقاومة الإنسولين، واكتشف بداية مرض السكري. حين أخبره الطبيب أن السبب هو ‘السكر المخفي’، لم يصدق. فابتسم له الطبيب وقال  ببساطة: ‘أنت لم تكن تأكل حلوى… كنت تأكل المرض!’

يشرح الكتاب بالتفصيل كيف يؤثر السكر على الجسم:

  • يرفع مستويات الإنسولين بسرعة، مما يجهد البنكرياس
  • يُضعف الجهاز المناعي
  • يغذي الخلايا السرطانية
  • يُسرّع الشيخوخة
  • ويزيد خطر الإصابة بأمراض القلب، والكبد الدهني، والزهايمر

ويستشهد الكاتب باقتباس علمي قوي يقول فيه:

“السكر لا يُشبِع، بل يُثير الشهية… وكلما أكلت منه، زادت حاجتك إليه، كالإدمان تمامًا.”

ثم يدعو القارئ إلى “فطام السكر”، وهي عادة ينصح بتطبيقها تدريجيًا: من خلال التقليل من السكر المضاف، والتحول إلى بدائل طبيعية مثل التمر أو العسل (بكميات معتدلة)، والانتباه للمكونات المكتوبة على الأطعمة المعلّبة.

اللافت في هذا القسم هو أن الكاتب لا يكتفي بالتحذير، بل يزرع الأمل، قائلاً:

“الجسد قادر على الشفاء… فقط امنحه الفرصة، وحرّره من عبودية السكر.”

حركة حياة – امشِ… تنجو

في هذا القسم، يأخذنا الكاتب إلى أصل بسيط لكنه عميق: الحركة ضرورة وجودية. فالإنسان خُلِق ليتحرّك. السير، الركض، العمل اليدوي، والنشاط اليومي… كلها كانت جزءًا من نمط حياة الأجيال السابقة. أما اليوم، فقد أصبح الجسد يكاد يُسجن في الكرسي، والحياة تُختزل في شاشة.

يسرد الكاتب قصة واقعية لرجل أعمال خمسيني من الخليج، ناجح جدًا في مهنته، وكان دائمًا ما يزور الطبيب، حيث كان يسمع منه الجملة نفسها بشكل متكرر: أنت لست مريضًا بسبب العمل… بل لأنك مريض لأنك لا تتحرك بما فيه الكفاية.

وبالفعل، بعد ذلك قرر ببساطة أن يمشي نصف ساعة يوميًا، ويتخلى عن المصعد، ويقف قليلًا كل ساعة عمل، بدأت صحته في التحسن التدريجي، وانخفض ضغطه، واستقرت مستويات السكر في دمه.

وفقًا لدراسات حديثة، أصبح الجلوس لفترات طويلة اليوم أخطر من التدخين. حيث تؤكد الدراسات أن المشي وحده – دون الحاجة إلى نوادٍ أو أجهزة معقدة – يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، السكري، السرطان، وحتى الزهايمر.

كما يربط النشاط الجسدي بالجانب النفسي، موضحًا أن الحركة تُفرز هرمونات السعادة مثل الإندورفين، التي تحسن المزاج وتخفف التوتر، الاكتئاب، والقلق… وكلها أمراض منتشرة اليوم في مدننا، نتيجة لتراجع النشاط البدني وانتشار نمط الحياة الكسول.

النوم دواء – لا تؤجل الراحة

يفتح الكاتب أعيننا هنا على أمر نغفل عنه بحجة الانشغال: النوم الكافي. يقول إنه حتى لو أكلت جيدًا، وتحركت، وشربت الماء… لكن إن لم تنم كما يجب، فإن كل شيء سينهار عليك ببطء، عاجلاً أم آجلاً.

ويروي أيضًا قصة شاب في الثلاثينات من عمره، يعمل في مجال التقنية، كان يعاني من تهيّج في القولون، ضعف المناعة، نوبات قلق، وأحيانًا ضبابية في التفكير. وبعد مراجعة عاداته، اكتشف الطبيب أن السبب ليس مرضًا عضويًا… بل كان قلة النوم المزمنة.

حين التزم بجدول نوم منتظم، وتحسّن نومه العميق، اختفت معظم أعراضه في أقل من شهر.

كيف يؤثر النوم على الجسم:

  • ينظّف الدماغ من السموم
  • يعيد بناء الخلايا
  • يوازن الهرمونات
  • يقوي المناعة
  • ينظم السكر والضغط
  • ويحافظ على الذاكرة والمزاج

ويحذر أيضا من عادة منتشرة في العالم، وهي السهر ليلًا والنوم نهارًا، مؤكدًا أن النوم الليلي، خصوصًا بين 10 مساءً و4 فجرًا، هو الأكثر فائدة بيولوجيًا. لأن الجسد يعمل حينها في تجديد أعضائه وإعادة برمجتها.

ويشبّه قلة النوم بـ”السُلفة البنكية” التي تدفع ثمنها لاحقًا، فربما لا تشعر بتأثيرها اليوم، لكن الجسم يسجّل كل ساعة نقص… ويُحاسب لاحقًا بمرض أو تدهور.

“النوم علاج يومي، لا يقدّره إلا من فقده.” – من اقتباسات الكتاب

إليك بعض العادات العملية التي تساعد في تحسين جودة النوم:

  • تقليل الكافيين بعد المغرب
  • إطفاء الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعة
  • النوم في غرفة مظلمة وهادئة
  • تثبيت موعد نوم واستيقاظ

ويختم بعبارة لا تُنسى: “دع الجسد ينام… فهو وحده يعرف كيف يشفي نفسه.”

راقب… قبل ما تتفاجأ

“من راقب صحته، حفظها… ومن غفل عنها، استيقظ على صدمة لا تُنسى.” – من اقتباسات الكتاب

يركّز الكاتب على أهمية الكشف المبكر والمتابعة المستمرة لصحة الجسم، حتى لو كنت تشعر بأنك “بخير”.
الصحة ليست في غياب المرض، بل أيضًا في وعي مبكّر بالتغيّرات الصغيرة، التي لو أهملتها، قد تكبر وتتحوّل إلى أمراض مزمنة قاتلة.

يسرد المؤلف قصة لرجل في الأربعين من عمره، كان يعيش حياة هادئة، لا يشكو من شيء، لكنه لم يكن يُجري فحوصات دورية. وفي إحدى زياراته العشوائية للمستشفى، اكتشف أن ضغطه مرتفع جدًا، وأنه يعيش منذ سنوات مع الضغط الصامت، دون أن يشعر.
قال له الطبيب جملة لا تُنسى:
“أنت لم تكن بخير… أنت فقط لم تكن تعرف.”

هذا النوع من القصص يتكرر كثيرًا في مجتمعاتنا، حيث الكثيرون لا يذهبون للفحص إلا حين يسقط الجسد أو يصرخ الألم.

ويؤكد أن الكثير من الأمراض القاتلة – مثل السكري، ارتفاع الكوليسترول، السرطان، أمراض القلب – تبدأ بصمت، وتمر بمرحلة يمكن فيها إيقافها تمامًا، إن تم اكتشافها في الوقت المناسب.

وينصح الكاتب بأهم الفحوصات التي يُفترض متابعتها دوريًا، خاصة بعد سن الـ30:

  • ضغط الدم
  • مستوى السكر
  • الدهون والكوليسترول
  • وظائف الكبد والكلى
  • فيتامين د
  • وفحص السرطان المبكر حسب الجنس والعمر (مثل فحص البروستاتا أو الثدي)

كما يشدد على الاستماع للجسم، فالتعب غير المبرر، أو تغيّر الشهية، أو الأرق، أو حتى تغيّر لون الجلد… كلها إشارات لا يجب تجاهلها.

ويختم بـ:

“الفحص المبكر لا يطيل عمرك فقط… بل يحفظ كرامتك وصحتك وسلامة من تحب.”

في الختام – صحتك رأس مالك… فلا تفرّط فيها

يمدّنا هذا الكتاب بلحظة صدق مع أنفسنا… لحظة نراجع فيها عاداتنا، قبل أن تراجعنا المستشفيات.
فالكاتب لم يقدّم وصفات سحرية، ولم يغرقنا في تعقيدات طبية، بل أعادنا إلى البديهيات التي تناسيناها خلف أبواب الراحة السهلة ونمط الحياة الكسول.

ذكّرنا بأنّ:

  • الغذاء البسيط الطبيعي أقوى من ألف دواء
  • الماء ليس مشروبًا عاديًا، بل شريان حياة
  • الحركة اليومية ترد الروح للجسد
  • النوم الجيد يُرمم ما أفسده التعب
  • الهدوء النفسي درع في وجه أخطر الأمراض
  • والمراقبة الوقائية حصن من المفاجآت المؤلمة

أخيرا لم يأتِ ليخيفك من المرض، بل ليذكّرك بأن الجسد أمانة، وأن الوقاية ليست شيئًا “صعبًا” أو “مُملًا” كما نظن… بل هي أبسط مما نعتقد، إن توفّر الوعي والإرادة.

في نهاية المطاف، كل شخص مسؤول عن صحته… وكل عادة يزرعها اليوم، يحصد أثرها غدًا.

Click to rate this post!
[Total: 0 Average: 0]